تطوير مناهج التربية الإسلامية: رؤية من الداخل. د. محمد العياصرة، كلیة التربیة، جامعة السلطان

مقدم إلى ندوة

لمناهج الدراسية : رؤية مستقبلية )

جامعة السلطان قابوس


/ كلية التربية

2009


/ 3 / 16 18

اعداد
د



 محمد عبد الكريم العياصره

جامعة السلطان قابوس


/ كلية التربية

قسم المناهج وطرق التدريس




18


مارس 2009 - ندوة المناھج الدراسیة رؤى مستقبلیة 16



116



خلق ا


لله تعالى الإنسان ، وجعله في الأرض خليفة ، وهذه المهمة العظيمة تتطلب منه إعمار الأرض ،

وهو أمر لا يمكن أن يتم إلا بتفاعل الإنسان المستمر مع محيطه الاجتماعي والمادي ، وهذا التفاعل يعني
التحول والتطور والتغيير المستمر


. لذلك فإن فقه الإنسان المسلم للطبيعة الحركية المرنة للإسلام يتطلب منه

من حين لآخر تقويم ومراجعة الوسائل التي يعول عليها في تكوين الإنسان وإعداده ، وأهم هذه الوسائل مناهج
التعليم التي ترافق المتعلم سنوات طويلة من عمره ، وتتشكل من خلالها شخصيته ومداركه


.

ولذلك فإن تطوير مناهج التربية الإسلامية ينبغي أن يأتي في قائمة الأولويات ، وهذا ينسجم تماماً مع
صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان


. ومن المعروف لدى أهل الاختصاص أن التطوير ليس مقصوداً لذاته بل

لما يحققه من فوائد وغايات


. وينبغي أن ينطوي على دواع وأسباب ترتبط بالمتغيرات المعرفية والاجتماعية

والنفسية


.

لقد دار جدل واسع النطاق حول تطوير مناهج التربية الإسلامية ، ولم يكن مثار هذا الجدل في كثير من
الأحيان يعود إلى ضرورة تطوير هذه المناهج وإنما لارتباط ذلك بأوضاع وأوقات محددة ، وبضغوط رافقت
مرحلة ضعف تعيشها الأمة بمواجهة استكبار عالمي لا يرحم ، يريد مصادرة القيم والثقافات ليتم تطويعها
لصالح ثقافة الغالب القادر المستطيع ، ومن هنا كثرت الاعتراضات والتحفظات التي وجدت لها أنصاراً كثراً
بحجة أن التطوير في أوضاع كهذه تشوبها شبهة التأثر بمناخات الضغط بحيث لا يؤمن معها أن تجيء مناهج
التربية الإسلامية على نحو لا يتفق مع طبيعتها بأحكامها ومبادئها وأسسها وأركانها


.

إن أهمية هذه الورقة تأتي من معالجتها لهذا الموضوع المهم من مختلف أبعاده ، كمساهمة متواضعة
يحسب صاحبها أنها قد تضيف جديداً في هذا الموضوع الذي لا يزال يتفاعل ، ولا يتوقع أن يتوقف الحديث
عنه في أمد قريب


.

هدف الورقة البحثية وأسئلتها

:



يحاول الباحث من خلال هذه الورقة أن يقدم رؤية محددة حول موضوع تطوير مناهج التربية الإسلامية
، وهو موضوع دار حوله الكثير من الجدل والنقاش في مختلف المؤسسات التربوية والاجتماعية ، وذلك
اعتماداً على خبرته كمتخصص في هذا المجال


. وتحقيقاً لهذا الهدف تسعى الورقة إلى الإجابة عن الأسئلة

الآتية


:

1


. ما معنى تطوير المنهاج ، وما الفرق بينه وبين تغيير المنهاج أو تحسينه ، وما أسباب التطوير ودواعيه ؟

2


. ما الجوانب التي يفترض أن تخضع للمراجعة والتطوير الشامل أو الجزئي (التحسين) في مناهج التربية

الإسلامية ؟




18

مارس 2009 - ندوة المناھج الدراسیة رؤى مستقبلیة 16



117



3


. ما طبيعة التحفظات والتوجسات التي يبديها كثير من التربويين والمفكرين على عملية تطوير مناهج

التربية الإسلامية ؟ وهل تعني تلك التحفظات العزوف عن عملية التطوير ؟




4


. ما الضوابط والاعتبارات المنهجية والموضوعية التي ينبغي أن تتم عملية التطوير في ضوئها ؟

5


. هل الوضع الحالي لمناهج التربية الإسلامية في مجمل الدول العربية والإسلامية يستدعي تطويراً عاجلاً

وملحاً ؟ وما أبرز المقترحات الإجرائية التي يمكن أن تكون مفيدة في مجال تطوير محتوى الكتاب في
مناهج التربية الإسلامية ؟




منهجية البحث

:



استخدم في هذه الورقة المنهج الوصفي التحليلي ، وذلك من خلال مراجعة أفكار وآراء المفكرين
والباحثين والمهتمين بهذا الموضوع من مصادرها المختلفة ، ثم تحليلها في ضوء الأسئلة المطروحة في
محاولة ل


لإجابة عنها ، وبالتالي تكوين صورة محددة عن الموضوع وعرضها بطريقة واضحة .

حدود البحث

:



اقتصرت هذه الورقة البحثية على تقديم رؤية عامة حول تطوير مناهج التربية الإسلامية ، ولم تستهدف
تحليل مناهج محددة في دولة معينة ، أو عقد مقارنة بين المناهج في أكثر من دولة


. والاستدلالات التي وردت

في الورقة أثناء العرض كانت على سبيل إيراد الأمثلة وليست على سبيل الحصر


.

مفهوم تطوير المنهاج

:



من معاني التطوير في اللغة ، الانتقال من حال إلى حال ، وهو المعنى المستفاد من قوله تعالى


: " وقد

خلقكم أطوارا


" ( نوح : 14 ) . أما تطوير المنهاج في الاصطلاح فيعرفه عبد الله ( 6 ، 2002 ) بأنه : "

صناعة تعتمد على التخطيط ، ويشترك فيها عدد من الخبراء المختصين في المناهج ، وعلم النفس ، والبحث
التربوي ، وفروع العلم المختلفة ، وهي تهدف إلى إجراء تغييرات إيجابية في سلوك الطلاب من خلال إدخال
تحسينات على المنهاج ، وتخليصه من نقاط الضعف فيه


" .

والهدف من تطوير المنهاج هو الوصول به إلى الصورة التي تمكنه من تحقيق أهدافه بأقل وقت وجهد ،
وبأقل النفقات


. والتطوير عملية تشمل عناصر المنهاج وجوانبه المختلفة من صياغة الأهداف إلى إجراء

عملية التقويم ، وهي تستدعي مراجعة الفلسفة التربوية التي توجه المناهج وربطها بالأصول العقدية ، ودراسة
مطالب نمو المتعلم وحاجاته ، ومطالب المجتمع ومشكلاته ، وطبيعة المعرفة ومتطلباتها


.

والتطوير عملية ديناميكية ؛ لأن العوامل التي تدخل فيها في تفاعل ، وكل عامل يتأثر بالعوامل الأخرى
ويؤثر بها ، ولذلك فإن الحركة والتأثير بين جميع العناصر لا ينقطعان


(الوكيل ، 9 ، 1977 ) . ولمعرفة

(Curriculum حدود عملية التطوير فإنه من الضروري التمييز بين مفهومي تطوير المنهاج




18

مارس 2009 - ندوة المناھج الدراسیة رؤى مستقبلیة 16



118



فعملية التغيير قد تكون نحو الأفضل


(تغيير ؛ (Curriculum Change) وتغيير المنهاج Development)

إيجابي


) وقد تكون نحو الأسوأ (تغيير سلبي) ، أما التطوير فيفترض أنه يتجه نحو الأحسن ، لكونه يتم بإرادة

الإنسان ورغبته


(عملية قصدية) بينما التغيير قد يحدث بإرادة الإنسان ، وقد يحدث بفعل عوامل خارجة عن

إرادته


. ويرى الوكيل ( 10 ، 1977 ) أن التطوير يستلزم التغيير الواعي ، في حين أن التغيير قد يؤدي

التطوير أو لا يؤدي إليه


.

والتطوير قد يكون شاملاً لجميع جوانب المنهاج من أهداف ومحتوى وطرائق تدريس ووسائل تعليمية ،
وأساليب تقويم ، وما يتصل بذلك من بيئة مدرسية بعناصرها المختلفة ، وقد يكون جزئياً بحيث يهتم بجانب
واحد أو أكثر من عناصر المنهاج وذلك من خلال الحذف ، والإضافة ، والاستبدال ، والتقديم ، والتأخير في
بعض عناصره ، ويتم ذلك بناء على ملاحظات العاملين في الميدان من معلمين ومشرفين ومقترحاتهم


. ومع

أن هذا النوع من التطوير يخلص المنهاج من بعض نقاط الضعف التي تصيبه من حين لآخر ، إلا أن بعض
الباحثين المتخصصين في المناهج


(اللقاني ، 30 ، 1995 ) يعتبرون أن اقتصار التطوير عليه يعطي نتائج

سلبية


.

فيعني تغيير مظاهر معينة في المنهاج ولكن دون (Curriculum Improvement) أما تحسين المنهاج
وهو بهذا المعنى يشبه إلى حد كبير (Taba , تغيير المفاهيم الأساسية فيه أو في نظامه ( 1962, 454
التطوير الجزئي


.

أسباب التطوير ودواعيه

:



للتربية وظائف كثيرة ؛ فهي الوعاء الذي يحفظ عقيدة الأمة ، ومن خلالها يتم نقل التراث الثقافي من جيل
إلى جيل ، وهي التي تعد الإنسان للحياة الراهنة ، وتهيؤه للمستقبل بأدوات كثيرة من أبرزها المنهاج الدراسي
، وما دامت الحياة في تغير مستمر فمن غير المنطقي أن نتصور بقاء المنهاج على حاله دون تطوير رغم
توالي السنين ، ولذلك فهناك العديد من


المبررات والأسباب التي تجعل من تطوير المنهاج أمراً ملحاً ، ومن

هذه المبررات


:

التقدم العلمي والتقاني المتسارع وما نتج عنه من تعديل في كثير من العلوم والمعارف والتقانات القائمة ،


·

وظهور معارف جديدة في شتى مجالات الحياة وأنظمتها ، لا سيما في مجال التربية وعلم النفس ، حيث
ظهرت الكثير من المفاهيم التربوية والنفسية الجديدة


.

التغيرات التي تطرأ على الأسس التي يقوم عليها المنهاج ، وما يترتب على ذلك من تطورات اجتماعية


·

واقتصادية وسياسية تستدعي تطوير المنهاج بناء عليها


.

قصور المناهج القائمة عن تلبية مطالب المتعلم وحاجاته ، ومطالب المجتمع ومشكلاته


. ·

18

مارس 2009 - ندوة المناھج الدراسیة رؤى مستقبلیة 16



119



مقارنة المناهج الحالية بمناهج أكثر تقدماً ؛ للاستفادة منها خاصة في الدول التي لها تجارب واسعة في


·

مجال النظم التعليمية ، مع الأخذ بعين الاعتبار اختلاف البيئات


.

تطور علم استشراف المستقبل


(المستقبليات) ، وهذا يستدعي الإفادة من معطيات هذا العلم في جعل ·

المنهاج يساهم في تهيئة المتعلمين للزمن القادم الذي من المفترض أنهم سيعيشون فيه


.

وفي هذا السياق يتساءل أحد التربويين


(عبد الله ، 3 ، 2002 ) : هل عملية التطوير قصدية تنبع من

رغبة ملحة في تحسين المنهاج ، أو أنها عملية ناتجة عن عدد من العوامل التي يصعب التحكم فيها ؟
أنها عملية تنطوي على قدر كبير من الحتمية ، في حين (Reid, فهناك من يرى مثل ريد ( 1999, 116
يرى آخرون أن عملية التطوير لا تحدث بصورة عفوية ، أو بطريقة قسرية ؛ لأن التقدم العلمي لا
يدخل بلداً رغم أنف المسؤولين عنه ، وأن الرغبة في التجديد ومواجهة بعض التطورات السياسية




. (


والاجتماعية لا تتم إلا إذا خطط لها (عبد الله ، 5 ، 2002

تطوير مناهج التربية الإسلامية

( الجدل المشروع) :



لقد دارت مناقشات وحوارات ومجادلات كثيرة حول موضوع تطوير مناهج التربية الإسلامية شارك
فيها العديد من التربويين ، والمفكرين ، والإعلاميين ، والسياسيين ، والطلبة وأولياء الأمور ، وقوى
المجتمع المدني ، وذلك في العديد من الندوات والمحاضرات ، وعلى صفحات الصحف والمجلات ، وفي
أوساط المجتمع ومنابر المساجد ، وفي أروقة البرلمانات والمجالس التشريعية ، وفي اللقاءات الدولية


. وهذا

الحجم من التأثير وردة الفعل ، وعلى هذا المستوى الكبير ظاهرة صحية وإيجابية تبين أهمية هذا الموضوع
وحساسيته ؛ فأمر المنهاج الدراسي يعني كل هذه الأطراف ومن حقها جميعاً أن تبدي رأيها فيه ، وتطلب
تبريراً له ؛ لأنها ستكون في مرحلة لاحقة مسؤولة عن تطبيقه بشكل أو ب


آخر . كل ذلك يبين أن تطوير

المنهاج شأن مجتمعي عام يتعلق بالأمن القومي الثقافي لكل أمة


خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالمواد

التي تمثل مقومات وجود الأمة كالدين واللغة والتاريخ


لذلك ينبغي أن يحصل على توافق اجتماعي ،

بحيث يشعر الجميع أنه يأتي استجابة لمتغيرات ودواع حقيقية يقدرها المختصون دون ضغوط أو إملاءات


.

إن المتأمل في طبيعة الإسلام يدرك أن هذا الكون بكل ما فيه ، ومن فيه هو أحد مخلوقات ا


لله تعالى ،

"



، ( الذي هو سبحانه : " خالق كل شيء " (الأنعام : 102 ) ، " الذي أحسن كل شيء خلقه " (السجدة : 7

الخلاق العليم

"

(الحجر : 86 ) . وهو كون خاشع مسبح لخالقه تعالى على طريقته : " وإن من شيء إلا

يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم

"

(الإسراء : 44 ) . وهو كون خاضع لإرادة الله تعالى ومشيئته وسننه

(


قوانينه) . ومن سنن الله تعالى التي لا يجري عليها التبديل ولا التحويل قانون التسخير ومعناه : أن كل ما

في الكون ، ومن فيه مسخر ل


لإنسان الذي هو (عبد لله وحده ، وسيد لكل شيء بعده) ، وفي هذا يقول

ا


لله تعالى : " وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه " (الجاثية : 13 ) . وقانون التغيير

ومعناه


: أن كل ماخلا الله تعالى يكون قابلاً للتغيير ، وهنا يكمن الس  ر في مرونة الإسلام وصلاحية أحكامه

18

مارس 2009 - ندوة المناھج الدراسیة رؤى مستقبلیة 16



120



لكل زمان ومكان ، وإيماناً بقانوني التسخير لصالح الإنسان ، والتغيير بفعله فإن الاستجابة لمتطلبات
العصور المختلفة ضمن ضوابط الشرع ومعاييره تبقى مبدأ إسلامي راسخ ، والإشارة إلى ذلك واضحة جلية




. (


في قوله تعالى : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " (الرعد : 11

غير أن مصدري التربية الإسلامية المتمثلين في القرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهرة ، باعتبارهما
المعين الذي تنهل منه مناهج التربية الإسلامية ؛ والمصدران اللذان تشتق منهما المفاهيم ، وتصدر عنهما
التوجيهات ، وتصا


غ منهما الموضوعات ، وتستمد منهما القيم ، هما فقط اللذان لا يخضعان لا للتغيير ولا

للتبديل ، ولا للحذف ولا للاستبدال ، ولا للتطوير ولا للتحسين ؛ لأنهما يمثلان الوحي الإلهي الذي لا يأتيه
الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ولا يعتريه النقص ولا الجهل ولا الأهواء


" من لدن حكيم خبير" (هود :

. (


1

أما الجوانب التي يفترض أن تخضع للمراجعة أو للتطوير الشامل أو الجزئي

(التحسين) في مناهج
التربية الإسلامية فيمكن تحديدها في المجالات الآتية

:



1


. الفلسفة التربوية : والمقصود بالفلسفة هنا الإطار الموجه لمجمل النظريات والممارسات التربوية ؛ ومن

المعروف أنه من الفلسفة تشتق النظريات التربوية ذلك أن


" كل النظريات تشتق من النظم الراسخة " كما

والنظريات التربوية بدورها تنعكس على طبيعة


. (Beauchamp, يؤكد بوشامب ( 1987,27

المنهاج بعناصره وأسسه


(العياصره ، 2007 ) . ولا بد من التأكيد على أن الفلسفة التربوية هنا لا يقصد

بها المعنى المرادف للعقيدة الإسلامية ؛ لأن العقيدة الإسلامية ثابتة ، بينما الفلسفة منتج بشري متغير


.

والمتتبع للفلسفة التربوية في البلاد العربية الإسلامية يلاحظ أنها تتسم بالعمومية والغموض والشكلية ،
وبالتالي لا بد من مراجعتها وتطويرها وتحويلها إلى استراتيجيات تستمد منطلقاتها من أصول التربية
الإسلامية ومصادرها بكل وضوح


.

2


. الأسس الاجتماعية والنفسية والمعرفية التي يقوم عليها المنهاج : وهذه الأسس عرضة للتغير من وقت

لآخر ؛ فطبيعة المجتمع ، وقواه ، ومؤسساته ، ودرجة تقدمه ، والعلاقات التي تسود بين أفراده ،
ومشكلاته ، ومتغيراته ، وطبيعة البحوث والدراسات التربوية والنفسية التي تستهدف المتعلم ، وأساليب
التنشئة ، ومطالب النمو ، والتفجر المعرفي المتسارع بما يرافقه من مستجدات وقضايا وطروحات
تستدعي تعاملا


دون تغافل معها ... وكل ذلك قد يتطلب تطويراً في المنهاج من حين لآخر كلما كان

ذلك ضرورياً


.

18

مارس 2009 - ندوة المناھج الدراسیة رؤى مستقبلیة 16



121



3


. الأهداف : بمجالاتها المعرفية والوجدانية والمهارية ، ومستوياتها داخل كل مجال ، وأنواعها من أهداف

عامة ، أو أهداف مرحلة تعليمية ، أو أهداف كتاب ، أو وحدة


(تعليمية) ، أو أهداف درسية (سلوكية) .

ينبغي مراجعتها من وقت لآخر ؛ لكونها توجه بقية عناصر المنهاج لتصبح أكثر دقة وفاعلية


.

4


. المضامين المعرفية (المحتوى) : فالمادة الدراسية التي تشتمل عليها كتب التربية الإسلامية تتم بدلالة

الأهداف ، وأي تغير يطرأ على الأهداف فإنه يؤثر على نوع المحتوى وطبيعته وحجمه


. وتتجلى أهمية

تطوير المحتوى في ضوء ما يستجد من مشكلات وقضايا معاصرة ، ينبغي أن تجد سبيلها إلى كتب
التربية الإسلامية إلى جانب الدروس التي تشتمل عليها ، أو بديلاً عنها ، أو تعديلاً لها ؛ لأنها ذات أهمية
أكبر ، وهذا من


(فقه الأولويات) .

5


. طرائق التدريس وأساليبه واستراتيجياته : طرائق التدريس وسائل وآليات تنهض بالعملية التعليمية التعلمية

، وهي الجزء المشاه


د من عملية التدريس ، وهي تتعدد بشكل كبير كما تتعدد تصنيفاتها وأغراضها ،

وقيمة أية طريقة وفضلها على غيرها بمقدار ما تكون أكثر ملاء


مة منها ، ولذلك تتغير هذه الطرائق

والأساليب وتتطور بالنظر إلى مجموعة من العوامل


. ومن غير المجدي الاقتصار على طرق بعينها دون

غيرها


.

6


. أساليب التقويم وأنواعه : طبيعة التقويم تتأثر بنوع الأهداف ، وطبيعة المحتوى التعليمي ، وأي تطوير

يقع عليهما ينعكس على التقويم ، وقد تعددت أساليبه وأنواعه ولم يعد مرادفاً للاختبارات ، كما تعددت
مراحله وجرت عليه الكثير من التطورات التي من المفيد أن تظهر في مناهج التربية الإسلامية


.

7


. الوسائل والوسائط والتقانات وأساليب العرض : لقد دخلت التكنولوجيا إلى ميدان التعليم فسهلت عمل

المعلم والمتعلم ، وأثرت على دور كل منهما ، وهي تتطور من وقت لآخر


. ومن الضروري أن يحدث

دخولها تأثيراً واضحاً في المنهاج ، وأن يستفاد منها إلى أقصى مدى ممكن


.

يلاحظ مما سبق أن المنهاج يمثل منظومة متكاملة ، وأن أي تغيير يطرأ على بعض عناصر هذه
المنظومة أو مكوناتها يكون له تأثير مباشر في بقية العناصر والمكونات ؛ لأن العلاقات القائمة بينها هي
علاقات تبادلية شبكية ، وليست علاقات خطية فقط


.

والسؤال المتداول أنه إذا كان التطوير يمكن أن يطال كل ما سبق ذكره في مناهج التربية الإسلامية
فمن أين أتت التحفظات والتوجسات التي يبديها كثير من التربويين والمفكرين على عملية تطوير مناهجها
؟





يستدل المعترضون على عملية تطوير مناهج التربية الإسلامية تحديداً بأدلة كثيرة تبدو وجيهة ومقنعة
لكل من له علاقة بإعداد المنهاج وتصميمه وتقويمه وتطويره ، ولكل من يتابع بتأمل عميق المتغيرات
السياسية والأيدولوجية التي تحصل في العالم ، ولكل من يدقق في الآراء والتصريحات التي تصدر عن
سياسيين ومفكرين عالميين تدعو إلى تغيير القيم والثقافات لتتلاءم مع قيم مجتمعات بعينها محمولة على التلويح
بالقوة إذا لم يتم ذلك طوعاً


. ومن هذه التحفظات التي يبديها هؤلاء المعترضون :

18

مارس 2009 - ندوة المناھج الدراسیة رؤى مستقبلیة 16



122



1


. التوقيت : من الواضح أن الدعوات إلى تطوير مناهج التربية الإسلامية قد بدأت تظهر إلى العلن بهذا

الاتساع والشمول ، وبهذه الحدة والنزق بعد الأحداث التي وقعت في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001
في أمريكا وما تبعها من تداعيات ، بحجة أن هذه المناهج هي التي عبأت من يزعمون أنهم قاموا بتلك
الأعمال بالأفكار والاتجاهات والدافعية


. والمنطق النظري يؤكد أن هذا الأمر على افتراض حصوله

على النحو المزعوم


فإنه يستند إلى ذريعة ضعيفة ، وإلا فإن على كل جماعة مثلاً أخطأ أحد

أفرادها أن تدفع بمجموعها ثمناً يملى عليها ، بل إن على كل دولة أن تدفع ثمناً لمخالفة قام بها أحد
رعاياها في بلد آخر أشد منها قوة وبأساً


. وهذا مخالف للقوانين الدولية المرعية فضلاً عن التربية

الإسلامية المستهدفة التي يؤكد مصدرها الأول أن


: " كل امرئ بما كسب رهين " (الطور : 21 ) ، وأنه "

ولا تزر وازرة وزر أخرى

"

(الأنعام : 164 ) هذا فضلاً عن أن تلك الأحكام التي تتحدث عن آثار

مناهج التربية الإسلامية على سلوك الأفراد تعتمد على أحكام انطباعية ولا تستند إلى نتائج دراسات علمية
متخصصة


. ولكن يبدو أنه ثمة مقاصد مستترة ، وأفكار نائمة استيقظت على هذه الذريعة التي لو لم تكن

موجودة لتم إنتاجها في دوائر لصنع قرارات من نوع ما حصل استناداً إلى قناعة مفادها أن الحق يكون
حيثما كانت القوة ، وهذه ميكافيلية مهيمنة يصعب الاقتناع بحججها


. ومن هنا فإن جهود تطوير مناهج

التربية الإسلامية التي تبذل تبقى عرضة لأن تتأثر بهذه الأجواء


.

2


. الأقوال والكتابات الصادرة عن الجهات التي أطلقت دعوة تغيير المناهج أو تطويرها . وقد تكفي الإشارة

إلى ما كتبه توماس فريدمان


وهو يهودي أمريكي من المقربين من دوائر صنع القرار حيث قال : "

إن الحرب الحقيقية في المنطقة الإسلامية في المدارس ، ولذلك يجب أن نفر


غ من حملتنا العسكرية (في

أفغانستان


) لنعود مسلحين بالكتب الحديثة لا بالدبابات... لتنمو تربة جديدة وجيل جديد ، يقبل سياساتنا كما

يحب شطائرنا


" ثم قال : " لا نريد حرباً على الإسلام نريد حرباً داخل الإسلام " . وإلى ما كتبه المفكر

الاستراتيجي الشهير وأحد مستشاري صانع القرار الأمريكي فرانسوا فوكوياما عندما قال


: " إن

الصراع الحقيقي الذي نواجهه هو صراع ضد العقيدة الإسلامية الأصولية التي تقف ضد الحداثة الغربية




...


إن التطور الأهم ينبغي أن يأتي من داخل الإسلام نفسه " ( عماره ، 76 ، 2002 ) . وإلى ما

صرحت به مسؤولة مبادرة الشراكة الأمريكية


الشرق أوسطية قائلة إن مناهجنا الدينية " تحض على

كراهية الغرب ، ونشر ثقافة العنف ، وأنه لا توجد فسحة من الآن فصاعداً للكراهية وعدم التسامح
والتحريض ، وأن أي منهاج دراسي لا يسير في هذا الاتجاه يجب تغييره


" (الخطيب ، 2004 ) . فهل

مقاومة المحتل وفق هذا المفهوم يعد عنفاً ، وهل مقاومة القهر والظلم والفساد ومصادرة الحريات يعد
تحريضاً وعدم تسامح ؟


.

أن أمريكا


كما ورد في التقرير الشهير (Beauchamp, واللافت هنا كما يؤكد بوشامب ( 1998

أمة في خطر


تعتبر أن تدني مستويات الطلاب ، وقلة تحصيلهم ينذر ويهدد الشعب الأمريكي بفقد

مكانته العلمية والاقتصادية ، بل وثقافته وقيمه الاجتماعية ، حتى أنها تعتبر أنه لو قامت قوة معادية




18

مارس 2009 - ندوة المناھج الدراسیة رؤى مستقبلیة 16



123



بفرض أداء تعليمي قليل الجودة على الشعب الأمريكي لكان ذلك مدعاة للحرب . ويعلق أحد الباحثين




(


الشهري ، 2009 ) على هذا الجزء من التقرير بقوله : أنه إذا كان الحال كذلك فإنه من الأولى لها

(


أمريكا) أن تدع للآخرين حقهم في اختيار ما يناسبهم من تعليم يتماشى مع ثقافتهم وقيمهم ومعتقداتهم .

ومما يجدر ذكره أن الجهات الدولية التي تطلق دعوات تطوير المناهج في البلاد العربية والإسلامية تلتزم
للعديد منها في تمويل عملية التطوير ضمن برامج من المساعدات تتضمن الكثير من الاشتراطات


. ولا

يخفى أن الأهداف الكامنة خلف هذه المساعدات لا تتعلق بعمل الخير بمفهومه المجرد من القصد ، لأن
ذلك ليس شأن الدول المهيمنة


.

3


. ردت فعل الجهات التي تلقفت الدعوة في البلاد العربية والإسلامية والتي يمثلها بعض المسؤولين وقادة

الرأي والتي تؤكد على ضرورة حث الخطى لتطوير مناهج التربية الإسلامية بشكل شامل لتتوافق
وتتواكب مع متطلبات العصر بحيث تكون أكثر اعتدالاً ووسطية


(الشرق الأوسط ، 2005 ) ، ويستشف من

ذلك أن هناك أحكاماً مسبقة على تلك المناهج التي تدرس منذ وقت طويل بأنها أقل اعتدالاً ووسطية


. وفي

إحدى الدول العربية صرح أحد المسؤولين التربويين أن وزارته تقوم بمراجعة الكتب المدرسية وحذف كل
ما من شأنه أن يشجع على التطرف والإرهاب ، وتأهيل المناهج لمواكبة التطورات العالمية


. كما

عمدت دولة أخرى إلى إعداد مصفوفة تعليمية جديدة تقوم على أساس الثقافة الإنسانية المشتركة ، وقامت
بتوزيع وثيقة من


( 90 ) صفحة ضمنت في خمسة مواد تدريسية تحث على نبذ العنف وتعزيز ثقافة السلام

، وتحث على تدريس الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة الداعية للسلام منزوعة من سياقها بصورة تم
توظيفها توظيفاً محدداً


. بل وصل الأمر إلى اقتراح بإلغاء مادة كاملة من المقررات الدراسية باعتبارها

تحرض على كراهية الغرب


. وتجاوز الأمر أصحابه إلى دعوة وزراء الداخلية لتعديل المناهج الدراسية

. (


، مما يعني أن الأمر أخذ منحى أمنياً سافرا (الخطيب ، 2004

ويبدو أن كبار المسؤولين في المؤسسات التربوية العربية كما يتأثرون بالأحداث سلباً على النحو
المذكور أعلاه يتأثرون بها إيجاباً كما حصل في أعقاب هزيمة 1967 حيث شعر المسؤولون بأهمية
مراجعة النظام التعليمي فعقدوا مؤتمراً في الكويت عام 1968 وخلصوا إلى أهمية تعميق التربية الروحية
والخلقية ، والتربية العسكرية العملية لترسيخ الإيمان وروح الجهاد والتضحية والبذل والفداء ، وجعل
الاستشهاد في سبيل ا


لله دفاعاً عن الوطن والأمة أغلى وأعز الغايات ، ومن أهم التوصيات التي خرجوا

: (


بها (النشمي ، 1988



ضرورة بناء فلسفة التربية والتعليم في الوطن العربي على الإيمان بالله والمثل العليا للأمة العربية ،

وأن يكون هذا الإيمان مصدراً للسلوك العام والخاص للفرد والمجتمع


.



تطوير مناهج وكتب التربية الدينية ، والتربية الوطنية تطويراً يحقق غرس هذه القيم في نفوس الناشئة

.






الاهتمام بمادة التربية الإسلامية واعتبارها مادة أساسية .

18

مارس 2009 - ندوة المناھج الدراسیة رؤى مستقبلیة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقياس مقترح لقياس مهارات التواصل

المهارات اللازمة لطرح الأسئلة الصفية

معايير اختيار المحتوى (الخـــــبرات التعليمية) لذوى الإحتياجات الخـــــاصة