الذكاء الوجداني
تنمية مهارات
الذكاء العاطفي من خلال المنهاج المدرسي
ليانا جابر مركز القطان للبحث والتطوير التربوي
رام الله-فلسطين
مقدمة:
تصف هذه التجربة بحث تشاركي قامت به باحثتان من مركز القطان للبحث والتطوير التربوي
بمشاركة معلمين ومعلمات من تخصصات مختلفة خلال السنة الدراسية 2005/2006. وقد هدف
البحث إلى تنمية قدرة المعلم على تطوير مهارات الذكاء العاطفي عند الطالب من خلال
المنهاج المدرسي، وملاحظة أثر ذلك على تعلم الطلبة. جاء هذا البحث نتيجة شعور
الباحثتين بأهمية هذا الموضوع في حياة الأفراد عامة، وأهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه المدرسة على تنمية هذا النوع من
الذكاء لدى الطالب.
في المراحل الأولية من البحث، تم إجراء سلسلة من اللقاءات لمناقشة الموضوع بعمومياته
، وقد لوحظ من خلالها نقص في معرفة المعلمين حول هذا الموضوع، كما أجريت مجموعة من
اللقاءات هدفت إلى التعرف على توجه تنمية مهارات الذكاء العاطفي من خلال المنهاج،
واستعراض خبرات أخرى في الموضوع، مما ساعد على إيجاد اهتمام وخلق بيئة مناسبة
للبحث. وقد تم بدايةً تحديد الصف السابع ومنهاج العلوم لتطبيق التجربة، وتطوعت
المعلمة كريمة لتطبيق الموضوع داخل صفها، وقررت لاحقاً المعلمة جمانة إعداد أنشطة
موازية لمنهاج العلوم للصف الثالث وتطبيقها في صفها. تم تصوير هذه الحصص لملاحظة
تفاعل الطالبات مع الأنشطة التي تم تخطيطها ضمن خمس مستويات لتنمية الذكاء
العاطفي.
قامت المجموعة بمشاهدة الحصص المصورة والتأمل فيها وإخضاعها
للنقاش، ورصد تفاعل الطالبات معها، ومدى نجاعة الأنشطة ومناسبتها، ومدى تأثير
التجربة على الطالبات، وكنتيجة تعمقت معرفة المعلمين المشاركين بالموضوع، وكيفية
صياغة أنشطة ضمن المنهاج تهدف إلى تنمية الذكاء العاطفي لدى الطالب، وكان لهذه
الخبرة أثر أعمق على المعلمتين كريمة وجمانة اللتان قمن بالتطبيق.
أما بالنسبة لطالبات الصف الثالث والسابع اللواتي مررن
بالتجربة، فقد لوحظ تغييراً إيجابياً طرأ عليهن من عدة جوانب أبرزها؛ حرية التعبير
والثقة بالنفس، وزيادة حبهن للمعلمة والمادة، وزيادة تحملهن للمسئولية. ولكن لم
تخل التجربة من بعض العقبات والسلبيات.
لمحة عن الذكاء العاطفي:
في الوقت الذي تزايدت فيه موجات العنف في المجتمع بما فيه المدرسة، وتردت فيه أساليب
التواصل مع الغير ضمن معطيات حياتية تعاني من وطأة الضغط، تزايدت الحاجة إلى
إلاهتمام بنوع آخر من الذكاء وهو الذكاء العاطفي، إذ أشارت الدراسات (Cummings, 1998) إلى أنه في الوقت الذي لا تتعدى نسبة تنمية الذكاء الأكاديمي عند الشخص المتعلم نسبة 2% مهما تعاظمت الجهود، فإنه يمكن تنمية الذكاء العاطفي إلى
مدى أبعد من ذلك بكثير. من هنا تبرز أهمية العمل على تنمية هذا الجانب.
يلعب الذكاء العاطفي دوراً هاماً، ويشكل مفتاحاً للنجاح على كافة الأصعدة، في العمل؛
بين مدير العمل والموظفين، وبين الموظفين أنفسهم، وفي الأسرة؛ بين الزوجين، وبين
الأم والأب وأطفالهما، وفي المدرسة بين أطرافها الثلاثة المدير والمعلم والطالب
وبما يتضمن ذلك من علاقات تبادلية.
وإذا وضعنا المدرسة تحت المجهر لنفحص أثر تنمية الذكاء العاطفي عليها، نرى الأثر الكبير
لتنمية هذا النوع من الذكاء على مهارات التفاعل الاجتماعي بين أطراف المدرسة
الثلاثة (المدير والمعلم والطالب)، وخلق ثقافة مدرسية فعالة، وتنمية التعاطف مع
الغير، وخلق بيئة آمنة تضع كل من الطالب والمعلم والمدير في جو مريح مهيئ ومحفز
للانتاج والتقدم، كما أن للذكاء العاطفي دوراً هاماً في الوعي بالانفعالات
والمشاعر والتحكم بها وإدارتها على أتم وجه، ومنها التحكم بالغضب والقلق وغير ذلك،
وقراءة مشاعر الآخرين والتعاطف معها.
كما أن تنمية الذكاء العاطفي يكون أكثر فعالية في الفترة المبكرة من عمر الإنسان.
فالذكاء العاطفي مرتبط بعمل الدماغ. إذ وجد أن الجزء المتعلق بالذكاء العاطفي من
الدماغ (الدماغ الانفعالي) هو ما يطلق عليه اسم الجهاز الحوفي، ومركز العاطفة هي
الأميجدالا والتي ترتبط بشبكة من الأعصاب مع القشرة الجديدة التي تتم فيها عمليات
التفكير. ويكون الدماغ أكثر قابلية للتشكيل في المراحل الأولى. وبذلك فإن التدريب
على ردود الفعل الإيجابية في التعامل مع الضغوط والانفعالات المختلفة يكون أسهل،
كما أن المهارات المتعلمة في هذه الفترة تستمر مع الشخص طوال حياته مما يشجع على
الاستثمار في هذا المجال.
ومن الضرورة الإشارة هنا إلا أنه ثمة علاقة واضحة بين الذكاء العاطفي والذكاء
الأكاديمي إذ أن تحقق الأول من شأنه أن يساعد على تنمية الثاني، فعندما يتعرض
الإنسان لضغوطات نفسية كثيرة كالقلق والخوف وما إلى ذلك، فإن ذلك يؤدي إلى إرهاق
الذاكرة العاملة التي تلعب دوراً أساسية في عملية التعلم واسترجاع المعلومات من
الذاكرة طويلة المدى ومعالجتها، وبالعكس، أما البيئة الآمنة المستقرة فمن شأنها أن
توفر للذاكرة العاملة إمكانية أكبر للتعلم واسترجاع المعلومات ومعالجتها وتخزينها،
الأمر الذي يؤدي إلى تعلم أفضل.
ومن ناحية أخرى، فإن الطالب الذي يتمتع بذكاء عاطفي يكون أكثر قدرة على المثابرة وتحمل
المسئولية والنجاح والتفوق، وقد دللت تجارب طولية على صحة ذلك.
وقد رأينا هنا في مركز القطان للبحث والتطوير التربوي في هذا الموضوع أهمية بالغة، لا
سيما وأن المنطقة تعاني من خصوصية تفرض قلقاً وتوتراً مزمنين، الأمر الذي ينعكس
سلباً على الواقع المدرسي، والذي نحاول دائماً التقليل من وطأته بل ومكافحته قدر
الإمكان. إن العمل على موضوع الذكاء العاطفي في السياق التربوي يمكن أن يتم على
مستويين؛ الأول ضمن منهاج منفصل يخصص لتنمية هذا النوع من الذكاء، والثاني من خلال
المناهج الدراسية التي يتم تعليمها في المدارس.
ومن هنا تم العمل في هذا الموضوع من خلال بحث إجرائي من النوع التشاركي، شارك فيه
مجموعة من المعلمين والمعلمات، وقد تمحور حول توظيف المنهاج المدرسي لتنمية الذكاء
العاطفي عند الطلبة وقد كان إطارنا المرجعي في هذا العمل كتاب Gwen Doty بعنوان Fostering
Emotional Intelligence in K-8 Students، إن العمل ضمن المنهاج المدرسي على تنمية الذكاء العاطفي من شأنه
أن يضمن الاستمرارية في تنمية هذا الجانب بشكل متوازي مع الجانب المعرفي عند
الطالب الأمر الذي من شانه أن يعمق الأثر.
وقد قامت المجموعة المشاركة باختيار الصف السابع الأساسي، لتصميم أنشطة في موضوع
العلوم العامة، تحقق المستويات الخمسة التالية:
الوعي بالذات وبالأخرين: إذ يمكن للمعلم غرس الوعي بالذات عند التلاميذ من خلال خلق جو صفي يشجع على التفكير والاكتشاف،
الأمر الذي يشجعهم على النقاش، واختيار الجانب المحبب لديهم، وقراءة انفعالات
الغير أثناء النقاش (مشاعري هي، أوافقك الرأي، أخالفك الرأي، أحب أن أضيف...)،
وهناك ثلاثة جوانب هامة للوعي الذاتي وهي: الوعي الذاتي الفيزيائي، والوعي الأكاديمي،
والوعي الاجتماعي.
تقدير الذات والآخرين: إن الطريقة التي نفسر فيها أفعالنا ومعتقداتنا وأوضاعنا الحياتية تؤثر على مقدرتنا على قبول
أنفسنا. ولا يمكن تحقيق قبول الذات إلا إذا كان الأطفال واعين لنقاط القوة ونقاط
الضعف فيما يتعلق بوجودهم الجسماني والأكاديمي والاجتماعي. إن كون الطلبة متفائلين
أو متشائمين له دور كبير في تمكنهم من مهارة قبول الذات. ويقول جولمان أننا نكون
مولودين بميل طبيعي نحو التفاؤل والتشاؤم.
إتقان تحمل المسئولية: من أجل تسهيل تمكن الطلبة من تحمل المسئولية يجب أن تبني توجهاً ديموقراطياً، وتوجهاً يجعل
الطالب محور العملية التعلمية، كما يجب إعطاء الطلاب خيارات وحرية في اتخاذ
القرارات في حدود معينة. إن اعتبار تعليم مهارات حل المشكلات واتخاذ القرارات
أمران ضروريان، كما يجب أن يسهم الطلبة في وضع إجراءات وقوانين وفي سير روتين غرفة
الصف، نضف إلى ذلك أن التفكير في التفكير يعلم الطلاب الإحساس بالمسئولية عندما
يطلب منهم التفكير في القرارات التي يتخذونها ويحددون ما إذا كانت قراراتهم ذات
معنى، بالإضافة إلى تشجيعهم على فهم النتائج الطبيعية، والاستفادة من توجيه
الزملاء، وتحمل المسئولية الشخصية فيما يتعلق بالعنف المدرسي، والمسئولية
الأكاديمية، وخلق جو من الأمن والهدوء حيث يوجد تحد آمن.
إيجاد معنى شخصي: يحوي المخيخ كلاً من العاطفة والذاكرة
وبالتالي فإن التفكير العاطفي للفكرة سوف يثير الذاكرة طويلة الأمد. إن التعليم
المخطط أكثر معنى وإثارة للدافعية من التعليم الموجه، إذ يقوم المعلم في التعليم
المخطط بتحديد فكرة موضوع معين، ثم يختار كل طالب مجالاً معيناً من الموضوع ليصبح
خبيراً به، ويبحث الطلاب مواضيعهم ويبتكرون مشاريع يعرضون من خلالها فهمهم
للمواضيع، ثم يعرض الطلاب مشاريعهم كتقييم أدائي. أما في التعليم الموجه فيتم
تقديم مفهوم جديد للتلاميذ، وفحص فهم التلاميذ، ومراجعتهم، واختبار فهمهم. يجب
التركيز على أن تكون المادة المتعلمة ذات معنى، وأن تستثير دافعية الطلاب
الداخلية، وأن تشجع على حركة الطالب، وتوظف ذكاءاته المتعددة.
تقدير الاستقامة والأخلاق: ويمكن تنمية هذا
العنصر من خلال إشراك الأهل في العملية التربوية من أجل زيادة وعي الطلاب
بالاستقامة والأخلاق، واعتبار المدرسة والمجتمع كشركاء حقيقيين، وبناء بيئة صفية
إيجابية؛ لطيفة، متحدية، يكون المعلمين فيها نماذج للسلوك الأخلاقي، ومشجعة للتأمل،
كما يجب مكاملة ترسيخ القيم كالمسئولية، التعاون،... مع الخطط الأكاديمية.
واستخدام المعلم لتقنيات النمذجة في حل المشكلات واتخاذ القرارات والتفكير
التأملي، والتركيز على التعزيز الداخلي بدلاً من الخارجي عندما يحاول التلاميذ
تحقيق أهدافهم الشخصية والأكاديمية.
ومن الجدير التنويه له أن هذه المستويات لا تتحقق إلا بشكل متسلسل، إذ لا يمكن تحقيق
مستوى ما إذا لم يتحقق المستوى الذي قبله، فعلى سبيل المثال لا يمكن تحقيق تقدير
الذات والآخرين ما لم يتم تحقيق الوعي بالذات والآخرين.
البحث الإجرائي:
إن المفتاح الأساسي لرفع نوعية التعليم في فلسطين من وجهة نظر المركز هو تمكين المعلم
الفلسطيني في مهنة التعليم. ويشمل مفهوم التمكين إعداد معلم متعلم بشكل مستمر،
مشارك في اتخاذ القرارات التعليمية وفي بناء وتطوير المناهج والسياسات التعليمية.
ويرى المركز في توجه البحث الإجرائي "وبالأخص التشاركي" ركيزة أساسية من أجل تحقيق "تمكين"
المعلمين في فلسطين ورفع نوعية التعليم في المدرس الفلسطينية، حيث ينطلق هذا
التوجه من مبدأ إشراك المعلم على قدم المساواة "بين الباحثين والمعلمين"
وبشكل واع في بناء الخطط وصنع القرارات المختلفة المتعلقة بالتعليم من خلال التأمل
في حياته التعليمية وفي ممارسته اليومية داخل الصف، وتغيير المعتقدات، وفحص
النظريات التربوية المختلفة على أرض الواقع داخل الصف.
إن قوة البحث الإجرائي "من مفهوم مركز القطان للبحث الإجرائي تكمن بالاعتراف
بالمعلم على انه مفتاح أساسي في التطوير المهني وبناء المناهج. فالبحث الإجرائي
التشاركي يحول المعلم من شخصية منعزلة، مستقبلة ومنفذة ومستخدمة للمعرفة، إلى
شخصية منتجة للمعرفة من خلال البحث والتأمل والممارسة والمشاركة مع المعلين
الآخرين والمجتمع ككل.
إن التأمل في البحث الإجرائي هو عملية جوهرية ومركزية. ففي
الأبحاث التقليدية والتجريبية، يقوم الباحثون بإجراء البحث "على إناس آخرين.
لكن الباحثين في البحث اإجرائي، يعملون أبحاثاً على أنفسهم. وبينما يقوم الباحثون
التجريبيون بدراسة حياة الأشخاص الآخرين، فإن الباحثين في البحث الإجرائي يقومون
بدراسة شخصياتهم وذواتهم. فالمعلم كممارس، يفكر في حياته وفي عمله الشخصي، وهذا
يشمل أسئلة يطرحها على نفسه، مثل: لماذا أفعل الأشياء التي أقوم بها؟ ولماذا أنا
في الحالة التي أنا عليها الآن؟
إن البحث الإجرائي ذو نهاية مفتوحة بطبيعته فهو لا يبدأ بفرضية
محددة بل بفكرة يطورها الشخص، إن عملية البحث هي عملية تطويرية في الأفكار، ورؤية
كيف تسير، وفحص ما إذا كانت هذه الأفكار تسير على المسار الذي تحب أن تحدث فيه.
ومن العناصر الأساسية للبحث الإجرائي التي يتوجد على الباحث
القيام بها: مراجعة الممارسات الحالية، والتعرف على ممارسة ما كقضية للبحث، ثم
تخيل طريقة ما كخطوة للأمام، وتجريب هذه الخطوة، ثم فحصها إذا كانت هذه الطريقة
تعمل، وتغيير الممارسة في الخطوة أو الطريقة التي نجحت (أو تجريب خيار آخر إذا لم
تنجح)، ثم مراجعة الممارسات الحالية بعد التغيير، وهكذا تستمر.......
ومن النماذج التي تصور خطوات
البحث الإجرائي فكرة Lewin المثلة
بالشكل التالي:
بيئة البحث:
تصف هذه التجربة بحث تشاركي قامت به باحثتين من مركز القطان
للبحث والتطوير التربوي بمشاركة مجموعة مؤلفة من 12 معلم ومعلمة من تخصصات متنوعة،
لمدة تزيد عن السنة حيث بدأ البحث في نيسان 2005، واستمر إلى أيار 2006، قامت المعلمتان
كريمة وجمانة بالتطبيق العملي للأنشطة في مدرستين، إذ تم تطبيق التجربة في الصف
الثالث الأساسي في مدرسة بنات دير عمار الإبتدائية- التابعة لوكالة الغوث، وفي الصف
السابع من مدرسة بنات سلواد- التابعة للسلطة الفلسطينية.
تصميم البحث وإجراءاته:
اتبع البحث منهج البحوث
الإجرائية التشاركية، ويمكن تقسيم البحث إلى عدة مراحل:
مرحلة التهيئة: وتم في هذه المرحلة التعرف إلى موضوع الذكاء
العاطفي بعمق، وتفاعلاته في السياقات التربوية، كما تم التعمق في المرجعية النظرية
التي اعتمد عليها البحث وهي المستويات الخمسة للذكاء العاطفي لGwen Doty، وبعد التمكن من الجانب النظري تم العمل
بشكل تشاركي على تصميم مجموعة من الأنشطة ضمن المستويات الخمسة ضمن منهاج العلوم
للصف السابع الأساسي ضمن خطة تم وضعها في بداية التجربة، تمخضت عملية إعداد
الأنشطة عن الكثير من النقاش والتأمل والتعديل، إلى أن خرجت بصورتها شبه النهائية
قبل بداية العام الدراسي 2005/2006
مرحلة التطبيق: قامت معلمة العلوم في مدرسة سلواد بتطبيق
الأنشطة التي تم إعدادها في الصف السابع ضمن منهاج العلوم، وقد رافق ذلك مبادرة
معلمة بنات دير عمار في صياغة أنشطة موازية لتلك المعدة للصف السابع، لتقوم
بتطبيقها في الصف الثالث ضمن منهاج العلوم، ومن الجدير بالذكر أن أنشطة المعلمة
جمانة لم يتم إخضاعها للعمل الجماعي وإنما كانت المبادرة والتجريب ذاتيين من قبل
المعلمة.
مرحلة التأمل والتعديل: تم تصوير الحصص المطبقة بالفيديو، وكانت
مجموعة المعلمين تجتمع بصورة أسبوعية تقريباً لمشاهدة الحصص المصورة والتأمل فيها
ومناقشتها والتعليق عليها، وقد قامت المجموعة المشاركة بتعبئة نماذج أعدت خصيصاً
لحث المعلمين على التعبير عن تأملاتهم وملاحظاتهم. وقد كانت المعلمتان المشاركتان
تستفيدان من تعليقات المجموعة ومن تاملاتهم في حصصهما المصورة في التعرف على مواطن
القوة والضعف وتفاعلات الطالبات مع الأنشطة، وأثرها في تنمية الذكاء العاطفي، وتفتح
لهم مجالاً للتطوير في إعمالهما القادمة.
نتائج التجربة: تمخضت التجربة عن عدة نتائج وعلى عدة
مستويات وهي:
على مستوى المجموعة
المشاركة: في بداية العمل
التشاركي مع مجموعة المعلمين والمعلمات، لاحظنا وجود رغبة وفضول لدى المعلمين في
توسيع معرفتهم عن موضوع الذكاء العاطفي عامةً، وفي السياق التربوي خاصةً، ولم يكن
لدى أي من المعلمين تصور لأبعاد الموضوع، ولا لكيفية تنمية هذه المهارة من خلال
المدرسة، خاصةً ضمن المنهاج التربوي. بدأ العمل بوضع مخطط للبحث الإجرائي تناول
خطة فصلية لمنهاج العلوم للصف السابع، وتم تقسيم المستويات الخمسة على الوحدات
المختلفة بالتسلسل، وقد شعرت المجموعة المشاركة بالتخبط عند بداية صياغة الأنشطة
لكل عنصر من العناصر، وكيفية تطويع المنهاج لتنمية مستوى معين من مستويات الذكاء
العاطفي، ولكن العصف الذهني والنقاش أدى إلى الخروج بمجموعة مدروسة من الأنشطة. إن
تطور الموضوع وتقدمه من الحيز النظري إلى تصميم الأنشطة إلى التطبيق العملي ومن ثم
التأمل في الحصص المصورة التي تم تطبيقها في المدارس، ورصد تفاعلات الطالبات مع
الموضوع، أدى ذلك كله إلى إثراء المعرفة النظرية والعملية في الموضوع. ومن الجدير
بالذكر أن النقاش وتبادل الآراء والخبرات ومراجعة التأمل في الممارسات وإعادة
صياغتها وتعديلها ثم التأمل فيها مرة أخرى (وفق منهجية البحوث الإجرائية)، كان له
كبير الأثر في تذويت المعرفة لدى المعلمين المشاركين وبناء استراتيجياتهم الخاصة
للمارسات التربوية في هذا السياق.
على مستوى المعلمتين (جمانة وكريمة): اشتركت المعلمتان اللتان طبقتا التجربة في
صفوفهما في الخبرة ذاتها مع بقية المجموعة المشاركة من المعلمين والمعلمات، خاصة
في مرحلة التهيئة التي تناولت البعد النظري والإعداد لأنشطة ضمن العمل الجماعي،
ولكن مع بدء مرحلة التطبيق في المدرستين، تولد لدى المعلمتين نوع من الملكية
الخاصة للمشروع، تفوق كل المشاركين الآخرين. إن التطبيق العملي داخل غرفة الصف
ورصد تفاعلات الطالبات على أرض الواقع نمى لدى المعلمتين (جمانة وكريمة) خبرة
ذاتية ، ومهارات للتخطيط والتطبيق أعمق من باقي المعلمين اللذين شاركو في التجربة
بشكل عام.
كانت تجربة المعلمتين جمانة وكريمة تجربتين متميزتين، ولكن تجربة المعلمة جمانة التي قررت أن تقوم بتطبيق
التجربة بنفسها على طالبات الصف الثالث ضمن منهاج العلوم، وتقوم بنفسها بإعداد
الأنشطة اللازمة لذلك على مدار العام الدراسي، معتمدة على ما كان يدور من نقاش
وناقلة للمعرفة من السياق العام إلى سياقها الخاص، كانت تجربة فريدة ومتميزة.
عبرت جمانة عن أثر التجربة عليها قائلةً:
" علاقتي أصبحت قوية بالطالبات ولعل هذه الملاحظة سمعتها من قبل المديرة
والأهالي والمعلمات وحتى المشرف، ولم يعد همي أن أعطي المادة واخرج بل على العكس
أشرح وأناقش واستمع لردود فعل الطالبات، ونتحدث عن الشعور والأخلاق وتحمل
المسؤولية ونربطها بالمادة، كما أصبحت أفسر بعض سلوكات الطالبات التي تحدث في داخل
غرفة الصف قبل أن أحكم عليهن بأحكام سيئة وظالمة"
أما بالنسبة للمعلمة كريمة التي طبقت التجربة على الصف السابع
فقد عبرت عن أثرالتجربة عليها قائلةً: "لقد شاركت
في هذا البحث لان الجميع يصفنني بانني عصبية وكان هدفي ان احسن شخصيتي في هذا
المجال قبل البدء بالعمل مع الطالبات، فاعتقد ومن خلال مشاهدتي لنفسي احسست انني
اقل انفعالا من قبل وليس فقط بالحصة فقط وانما ايضا بتعاملي مع الاخرين. الطالبات
كن هن ايضا بالنسبة الي معلمات لي فكنت احيانا اتفاجأ من طريقة تعاملهن وعندها كنت
سعيدة جدا وكنت بالفعل اتعلم منهن الكثير. احببت لديهن الصدق في العمل والتنفيذ
لكل ما كن نناقشه في الحصة خصوصا في اخر عنصر وهو تقدير الاستقامة والاخلاق. إن
العلاقة الرائعة التي جمعتني مع الطالبات جعلني احب اكثر المهنة واعط افضل ما لدي
جعلني اتحمل المسؤولية بشكل أكبر من قبل تجاه الطالبات. وعندما كنت اقرأ انطباعات
الطالبات عن اوراق العمل او اسمع بعضهن كنت اكتشف شخصيات الطالبات وهذا بالطبع
جعلني اعرف اكثر الأنماط المختلفة عندهن وبالتالي تغيير نمط اسلوبي في الشرح وهنا
اتحدث عن جميع حصص العلوم سواء كان في ورقة عمل للذكاء العاطفي او لا".
وأضافت: "أنا ادرس منهاج الصف السابع
للسنة الرابعة واعترف أنني لم أكن بهذا الشكل من الاستمتاع وطريقة التوصيل للمادة
التي ستكون بالتأكيد مملة بالطريقة الاعتيادية أو التقليدية للشرح . واعتبر ان هذه
السنة بالفعل كانت سنة خبرة حقيقية لي في عملي".
كما علقت المعلمتان على دور التأمل في مماستهم ضمن إطار التجربة وأثره عليهم حيث قالت كريمة: " ربما تكون هذه المرة
من المرات القلائل التي أكتب فيها تأملات حول تجربة أقوم بها وهذه من احد سلبياتي
العملية في الحياة فأنا لا أحب تدوين تجاربي .انا شخصيا لم اكن احب الكتابة او لم
اجرب ذلك من قبل ، لكن هذه التجربة جعلتني اكتب واقرا لنفسي واتامل بما كنت اكتب
في وصف ما كان يجري في الحصص". وأضافت : " اولا وعند تصوير الحصص بهدف
التوثيق كنت ارى نفسي وكيفية ادائي في الحصة وهذا ما جعلني اولا انتقد نفسي واوجه
نفسي في كيفية ادائي في الحصة فمثلا كنت
الاحظ على نفسي انني اسال اسئلة جيدة جدا ولكنني احيانا لا اعطي الوقت الكافي
للطالبات للاجابة وهذا بالطبع يقلل فرصة التفكيرعند الطالبات، ايضا التصوير
باعتقادي اعطاني الثقة بنفسي اكثر مما كانت عليه لانني ايضا كنت الاحظ الايجابيات
في ادائي وتعاملي في الحصة".
على مستوى الطالبات:
عبرت المعلمتان جمانة وكريمة
اللتان طبقتا التجربة عن أثر التجربة على الطالبات على النحو التالي:
طالبات الصف الثالث (طالبات جمانة) :
تغيرت فكرة الطالبات عن مادة العلوم التي كانت تعتبر مادة جامدة مجردة صعبة ليس لها علاقة بالطالبات،
أما الآن فقد أحببن حصة العلوم وكن دائماً يسألن المعلمة متى ستأتي حصة العلوم
التالية ولماذا لا نحول حصّة الفن والرياضة إلى علوم. كما أن سلوكات الطالبات
أصبحت أقل شذوذاً من قبل، فقبل أن تقوم الطالبة بالرد على أي طالبة أخرى تقوم
بالعد إلى العشرة لتفكر إذا كان جوابها صحيح وسليم يؤذي زميلتها أم لا. كما أنهن
أصبحن أقل عدوانية بالصف، وأقل شغباً وكلاماً لا فائدة له، كما أن مقدرتهن على
التعبير عن أنفسهن أصبحت أفضل بكثير حتى أن مديرة المدرسة قارنت بين الشعبتين
فلاحظت أن طالباتي اللواتي خضعن لأنشطة الذكاء العاطفي كن أكثر جراءة على الحديث
وعلى إعطاء الإجابات على الأسئلة المديرة دون خوف وطبعاً هذا بفضل أنشطة الذكاء
العاطفي التي تسمح للطالبات بالتعبير عن أنفسهن بأريحية دون خوف ودون قيود. هذا
وقد تم اكتشاف بعض المواهب الموجودة لدى الطالبات كالتمثيل والغناء، وصناعة
الأشكال.
طالبات الصف السابع (طالبات كريمة): الشيء الرائع الذي لمسته المعلمة هو ان معظم الطالبات وبصدق في جميع الشعب الثلاث كن دائما يستغربن من انتهاء حصة العلوم بسرعة و في كل حصة اشغال او فراغ ياتين الي لكي تعطيهن حصة اضافية . حصة العلوم
بالنسبة اليهن لم تعد حصة مفاهيم وقوانين وتجارب علمية بحتة فقط وانما ايضا حصة
تعبير عن الرأي والمشاركة في صنع القرار والاستمتاع والضحك والتمثيل والمناقشة.
كما أن روح الانتماء للمدرسة لديهن ازداد بشكل كبير لم يكن من قبل بهذا الشكل حتى الطالبات الضعيفات في التحصيل
العلمي اكتشفت انا ان لديهن مواهب كثيرة بدأت تبرز في حصة العلوم فمثلا هناك طالبة
اسمها سائدة : سائدة ومن خلال تطبيق العنصر الرابع وهو ايجاد معنى شخصي للتعلم اكتشفت موهبتها في تاليف المسرحيات
والشعر واستخدمته في الوحدة الاخيرة من الفصل الدراسي الاول ولازالت تستخدمه في هذا الفصل بشكل رائع بعد تحفيزها من قبلي ومن قبل زميلاتها بحيث انها عندها القدرة على تحويل درس صعب مثل ضغط السائل الى مسرحية في غاية الابداع
والاتقان بالتعاون مع زميلاتها اللواتي يساعدنها في التمثيل وهكذا تحول دور سائدة
من مجرد مستمعة لدرس ربما او اكيد لا يهمها اذا انشرح بالطريقة التقليدية الى دور
ايجابي فعال في الحصة مما جعلها تهتم وتشارك وتدرس اكثر مادة العلوم.
ايضا لوحظ ان الطالبات اللواتي يعدن الصف السابع للمرة الثانية انهن يختلفن تماما عن السنة الماضية لان اسلوب شرح حصة
العلوم تغير الى الشكل الذي يجعلنهن ينتبهن ويتفاعلن بالحصة بشكل افضل كما ان
شخصية تلك الطالبات تغيرت واكتسبن القدرة اكثر على التعبير والمشاركة الفعالة في
داخل الصف.
عقبات وسلبيات:
بالرغم من أن هذه الخبرة أدت إلى نتائج فاقت توقعاتنا إلى أنها لم تخل من السلبيات، إذ ذكرت المعلمة
جمانة أن بعض النشاطات تستغرق وقتاً طويلاً لتعبر كل الطالبات عن أنفسهن وهذا يؤثر
على التأخر في إنهاء المقرر. كما أن الطالبات أصبحن يسألن عن كل شيء سواء كان
يفيدهن أم لا ويتدخلن في كل الأمور الشخصية للمعلمة، وكان هذا في بعض الأحيان يثير
غضب المعلمة.
كما شعرت المعلمة كريمة أيضاً بزخم المنهاج وقلة عدد الحصص اللازمة لإنجاح التجربة حيث أن تطبيق
الأنشطة والنقاش فيها يحتاج وقت أكبر بكثير من عدد الحصص المخصصة لموضوع العلوم،
الأمر الذي اضطرها إعطاء حص إضافية من وقتها الخاص.
الخلاصة:
بعد مرور أكثر من عام على هذه الخبرة، وبعد التأمل فيها بصورة
شمولية، وبتفاصيلها وتعقيداتها وبنجاحاتها وصعوباتها، تحول حدسي بأهمية موضوع
الذكاء العاطفي إلى يقين، إذ أن إيماني قد ازداد بضرورة إعارة موضوع الذكاء
العاطفي اهتماماً خاصاً. وبما أن الكتب المدرسية لها سطوتها في واقعنا المدرسي،
وبما أن المعلم في نظامنا التربوي يتمسك بالكتاب المدرسي، إذن يجب استغلال هذا
الجانب في تنمية مهارات الذكاء العاطفي عند الطلبة على اعتبار أنه من مفاتيح
النجاح في الحياة.
يجب أن نبادر إلى رفع وعي المعلمين بهذا الجانب وتطوير
قدراتهم على توظيف الاستراتيجيات المختلفة في التعليم لإعطاؤه حقه، وتعميم هذه
التجربة على قطاع أوسع من المعلمين.
المراجع:
1.
Cummings, C. (1998). Professional Inquiry Kit: Curriculum
Integration,. ASCD, Alexandria,
Va ,USA.
2. Doty, G. (2001).Fostering
Emotional intelligence in k-8 Students. California: Corwin Press
3. McNiff, J.
(1995). Action Research For Professional Development. September Books, UK.
تعليقات