البيئة في الشريعة الإسلامية

 

بحث مقدم إلى ندوة البيئة والتنمية

المنعقدة في كلية التربية بصلالة من 12 – 14 ديسمبر 2005 م

 

 

 

 

أ . د / محمد عبد الشافي إسماعيل

أستاذ ورئيس قسم الدراسات الإسلامية في كلية التربية بنزوى

 

 

 

 

 

 

 

المقدمة

 

أهداف البحث وخطته:-

 

          الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، محمد آله وصحبه الميامين... وبعد،،

           فإن قضايا البيئة باتت تشغل بال الجميع، نظرا لتمادي الإنسان في اعتداءاته على عناصرها  ، وسواء استغلاله لمواردها، ولم تفلح المحاولات التي بذلت حتى الآن في إيقاف هذا السيل الجارف من الاعتداءات، ولا تفسير لذلك عندنا سوى خلو تلك المحاولات من التركيز على البعد الديني عند تصديها  لتلك  الاعتداءات ،ففقدت تأثيرها المطلوب، وعجزت عن تحقيق هدفها المنشود.

         

        ولقد خلق الله سبحانه وتعالى البيئة بمكوناتها وعناصرها المتعددة بمعطيات ذات مقادير محددة وخصائص معينة، تكفل - إذا ما أحسن الناس  التعامل معها - سبل الحياة الكريمة الملائمة للبشر كافة ، بل ولباقي الكائنات الحية الأخرى، التي تشارك الإنسان الحياة على الأرض. ثم انه وجه الإنسان إلى أمرين، أحدهما الإحسان إلى البيئة عند استخدام مقوماتها وعدم الإساءة إليها، والا نكصت على عقبيها ، فلم تف باحتياجاته منها ، وغدت ملوثة، ونواتجها غير كافية لسد احتياجاته. والثاني توجيه الإنسان إلى ضرورة استغلال هذه المكونات وإنمائها وتطويرها وتطويعها لتحسين نوعية الحياة بالنسبة للكافة ، مع الإشارة إلى أن الإنسان سيد هذه البيئة وقائد دفتها ،  وأنه مستخلف في الأرض لتعميرها واستثمار مواردها.

         

        ولا شك عندنا في أن كشف اللثام عن هذا المنهج الرباني في التعامل مع الموارد البيئية يتغيا تحقيق هدفين:

الأول: الإسهام في خلق أجيال تتمتع بحسّ أو ضمير بيئي يلعب دوراً حاكماً وفاعلا في ضبط سلوكياتها في الإطار البيئي السليم الذي ترسم أبعاده توجيهات الإسلام الراشدة.

الثاني: أن نضع تحت تصرف المسئولين عن برامجنا التعليمية ورسائلنا الإعلامية المادة العلمية التي يمكن استخدامها لتكوين الوعي البيئي السليم لدى كافة أفراد الأمة.

         

        وفي ضوء ذلك، نعالج موضوع (البيئة في الشريعة الإسلامية) في ثلاثة مباحث على النحو الآتي:-

المبحث الأول: البيئة في الإسلام بين المصطلح والمضمون .

المبحث الثاني: عناصر النظام البيئي وسماتها في الإسلام.

المبحث الثالث: موقف الإسلام من البيئة.

ثم نذيل بحثنا بخاتمة نضمنها أبرز ما توصلنا إليه من نتائج .

 

 

 

 

 

المبحث الأول

البيئة في الإسلام بين المصطلح والمضمون

 

1-              مصطلح " البيئة " في الفكر المعاصر والفكر الإسلامي:

 

                يستخدم لفظ Environment  في الإنجليزية للدلالة على الظروف المحيطة المؤثرة على     النمو  والتنمية  ، كما يستخدم للتعبير عن الظروف الطبيعية  ، مثل الماء والهواء والأرض التي يعيش فيها الإنسان (1)، وعلى الرغم من تعدد تعار يف البيئة من قبل المهتمين بشئونها، فإنها لا تكاد تخرج   عن هذا المعنى ،  فهي -  في نظرهم  - عبارة عن المحيط المادي الذي يعيش فيه الإنسان ، بما يشمل من ماء وهواء وفضاء وتربه وكائنات حيه ومنشآت أقامها لإشباع حاجاته (2) وقد أوجز هذا المعنى مؤتمر استكهولم  بالسويد عام 1972م حيث عرف البيئة بأنها كل ما يحيط بالإنسان . وتعكس تشريعات الدول العربية تأثراً ملحوظاً بهذا التعريف فلا تكاد تخرج عن جوهره ألبتة (3)، فما هو موقف الفكر الإسلامي من هذا المصطلح؟ وما هو موقفه من مضمونه؟ .

         

           رجعنا إلى كتاب الله تعالى فألفيناه انتبذ بمصطلح "البيئة" مكاناً قصياً (4)، حيث لم يستخدمه للتعبير عن المحيط أو الوسط الذي يعيش فيه الإنسان وينتفع بما فيه من مسخرات على نحو ما درج عليه الأمر في الفكر المعاصر  ، ولكنه بدلاً من ذلك استخدم الفعل الذي يعود إليه هذا المصطلح ، أعني الفعل (بوأ) وما تصرف منه، كما استخدم مصطلح "الأرض"  . وبتحليل آيات القرآن الكريم التي ورد فيها هذين الاستخدامين ، يمكننا تقديم رؤية واضحة عن موقف الإسلام من مصطلح البيئة، وهو ما نعالجه فيما يلي.

 

2-              الأصل اللغوي لمصطلح البيئة ومدلولاته في القرآن الكريم:

 

           بالرجوع إلى المعاجم اللغوية وما ذكرته بشأن الأصل اللغوي المكون من الباء والواو والهمزة ، ألفيناها تورد لهذا الأصل معنيان رئيسيان، الأول هو الرجوع إلى الشيء، ومنه: الباءة والمباءة، أي منزل القوم الذي ينزلون به، والمباءة أيضاً: منزل الإبل حيث تناخ في الموارد، ومن هذا الباب قولهم: باء فلان بذنبه، كأنه عاد إلى مباءته محتملاً لذنبه، والثاني هو تساوي الشيئين فتقول العرب : إن فلانا لبواء بفلان، أي إن قتل به كان كفؤاً ، وتقول العرب كلمناهم فأجابونا عن بواء واحد ، أي أجابوا كلهم جواباً واحداً ، وهم في هذا الأمر بواء ، أي سواء ونظراء (5).

         

      وبالرجوع إلى القرآن الكريم ألفيناه خلوا من استعمال لفظ "البيئة" ، لكنه في المقابل استعمل الأصل اللغوي الذي يعود إليه هذا اللفظ، أعني الفعل ( بوأ ) وما تصرف منه  ، وذلك في ست عشرة آية، تراوحت فيما بين صيغ الفعل الثلاث: الماضي والمضارع والأمر، وهاك الإشارة إليها مقرونة بأقوال المفسرين في تحديد معناها:

أولاً: ورد الفعل المذكور وما تصرف منه بصيغة الماضي في تسعة مواضع، اثنان منها بلفظ (باء) مجرداً، وثلاث بهذا اللفظ مسنداً إلى واو الجماعة، وثلاث بلفظ (بوّأ)، وواحد بلفظ (تبوأ) مسنداً إلى واو الجماعة.

         

       فأما الموضعان اللذان وردفيهما بلفظ (باء) مجرداً فهما قوله تعالى ) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ ُ( (6). أي كمن رجع متلبسا بغضب شديد (7)؟ وقوله سبحانه )وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ ( (8) أي ومن يفر من القتال في غير الحالتين المذكورتين يرجع بغضب الله تعالى واستحقاق انتقامه (9).

         

      وأما الثلاثة  المواضع التي ورد فيها هذا اللفظ مسندا إلى واو الجماعة ، فأولها قوله سبحانه عن بني إسرائيل ) وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآءوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ( (10) . وثانيها قوله عنهم أيضاً ) فَبَآءواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ  ((11). وآخرها قوله تعالى في أهل الكتاب ) وَبَآءوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ  ((12)، والمعنى فيها جميعا أنهم رجعوا بغضب من الله بسبب كفرهم (13).

         

        وأما المواضع التي ورد فيها لفظ (بوّأ) ، فقد جاء أولها مسندا لضمير المخاطبين ، ففي عظة صالح قومه يقول لهم ) وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا ( (14). أي أنزلكم وأسكنكم أرض الحجر بين الحجاز والشام (15)، بينما جاء الثاني والثالث مسندا إلى ناء الفاعل ، فقال سبحانه عن بني إسرائيل ) وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ..(  (16). أي أنزلناهم منزلا صالحا مرضيا وهو مصر والشام (17)، وقال في حق إبراهيم عليه السلام ) وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْت..ِ ( (18). إذ معناه: واذكر حين جعلنا لإبراهيم مكان البيت مباءة ، أي مرجعا يرجع إليه للعمارة والعبادة (19)، أو معناه: هيأنا ووطأنا له مكان البيت (20).

         

        وأخيرا استعمل القرآن لفظ (تبوأ) مسنداً إلى واو الجماعة في حديثه عن الأنصار حيث يقول ) وَالَّذِينَ تَبَوَّءوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ( (21). والمعنى الذي توطنوا دار الهجرة – وهي المدينة – والتزموا الإيمان ورضوه ،  يحبون من هاجر إليهم (22).

 

ثانياً: ورد الفعل المذكور وما تصرف منه بصيغة المضارع في ستة مواضع ،  جاء أولها بلفظ (تبوء) في قوله تعالى على لسان قابيل مخاطباً هابيل الذي أوعده بالقتل ) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ( (23) والمعنى: أن ترجع بذنب قتلي وذنبك السابق الذي منع من قبول قربانك (24)، وجاء الثاني بلفظ (تبوئ) في قوله تعالى بشأن خروج نبينا ( r ) من المدينة أول النهار يوم أحد )وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ (  (25). أي تنزل وترتب وتتخذ لهم مصاف ومعسكراً للقتال (26)، وجاء الثالث بلفظ ( نتبوأ ) في قول المتقين حين يساقون يوم القيامة إلى الجنة زمراً ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء ( (27). والمعنى  : الحمد لله الذي وفقنا للإتيان بالأعمال الصالحة التي أورثتنا الجنة ننزل من مساكنها حيث نشاء (28)، وأما الرابع فقد جاء بلفظ ( يتبوأ ) فقال سبحانه عن يوسف عليه السلام ) وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء ( (29). أي يتخذ من مصر مباءة ومنزلاً ينزل حيث يشاء في الموضع الذي يريد (30)، وأخيراً جاء الفعل المذكور بلفظ ( لنبوئنهم ) في آيتين، أولاهما قوله تعالى في حق الذي هاجروا من بعد ما ظلموا ) لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ( (31). أي لنسكننهم في الدنيا مساكن حسنة لا تنغيص فيها وهي المدينة (32)، والثانية قوله سبحانه في حق الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا ( (33). أي لننزلنهم -  على وجه الإقامة  - منازل رفيعة عالية (34).

 

ثالثاً: ورد الفعل المذكور بصيغة الأمر في موضع واحد ، وهو قوله تعالى مخاطباً موسى وهارون )تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا( (35). أي انزلا واتخذا واجعلا لهم منزلاً ومرجعا يرجعون إليه للعبادة والصلاة (36) و (37).

         

        وبإمعان النظر في السياقات التي أوردناها آنفا للأصل اللغوي المكون من ( الباء والواو والهمزة ) ،  نجدها جميعاً تتمحور في أصل واحد هو ( الرجوع إلى الشيء ) ، وبترديد النظر مرة أخرى فيها، أمكننا التمييز بين صورتين للرجوع:

-   الأولى هي الصورة المادية، وجلىّ أنها تستلزم كون الشيء المرجوع إليه هو الآخر شيئاً مادياً، ولعلّه في عدد كبير من الآيات التي ذكرناها يتمثل في وسط أو حيز يشمل مساحة جغرافية معينة، سواء أكان الهدف من الرجوع إليه هو التوطن والنزول والإقامة فيه، أعني اتخاذه مباءة ومنزلا (38) أم كان الهدف من ذلك هو مجرد تهيئة هذا الموضع وإعداده كيما يغدو مناسبا لأداء مهمة معينة فيه (39).

-   والثانية هي الصورة المعنوية، ومن المنطقي هنا أن يكون الشيء المرجوع إليه هو الآخر شيئاً غير مادي ، ونجد هذه الصورة واضحة من استعمال الآيات التي أوردنا لفظي (باء – تبوء)  للدلالة على استجلاب تصرف ما لغضب المولى عز وجل ،  ومن ثم يعود فاعله  بتحمل تبعته  والمسئولية        عنه (40).

 

        وبناء على ما تقدم فلعلنا لا نجاوز الصواب إذا قلنا إن دلالات الأصل اللغوي المكون من (الباء والواو والهمزة) في القرآن الكريم- في القسم الغالب منها – ذات بعد مكاني  ، فهي تعبر عن وسط أو مجال أو حيز يشمل مساحة معينة (41). بكل ما تحويه هذه المساحة من مقومات وعناصر تتفاعل فيما بينها وتتساند من أجل أداء هذا الوسط أو الحيز مهمته التسخيرية  المنوطة به.

 

 

 

 

3-              "الأرض" ودلالتها في القرآن:

 

       استخدم القرآن الكريم كلمة "الأرض" نحوا من أربعمائة وستين مرة (42). وفي العدد الأكبر من هذه المواضع لم يذكرها كمحيط أو وسط يعيش فيه الإنسان ، بل ذكرها باعتبارها أحد العناصر التي تتكون منها منظومة الكون الكبرى ، والتي تتفاعل عناصرها بعضها مع بعض وفق نظام دقيق متوازن  ، يعمل بديناميكية ذاتية كيما يكفل الوفاء بمتطلبات استمرار الحياة .  فالقرآن الكريم يقرن دائماً بين "الأرض" كإطار أو وسط يعيش فيه الإنسان  ، وبين ما يوجد عليها من جبال ،  وما تنشق عنه من زروع وثمار ،  وما تضم في باطنها من معادن ومياه ،  وما يقع في غلافها الجوي من ظواهر طبيعية  ، كهطول الأمطار وهبوب الرياح . بل إنه يقرن بينها وبين ما يوجد في الغلاف الكوني من أجرام وكواكب أخرى ،  كالشمس والقمر والنجوم والكواكب ،  وما تحدثه هذه الأشياء من تأثيرات في حياة الإنسان، ونورد لك فيما يلي طرفا من الآيات القرآنية التي تدلك على هذا المعنى.

         

        يقول الحق تبارك وتعالى في سورة البقرة ) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ( (43). وعلى ذات الشاكلة جاء في سورة الرعد قوله تعالى: )وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ،  وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ( (44). وفي سورة إبراهيم يقول سبحانه )اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ ، وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ( (45). وفي سورة النمل قال عز اسمه: )  أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ، أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ( (46). وفي سورة يس يقول سبحانه: ) وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ،  وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ ، لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ، سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ، وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ، وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ، وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ، لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ( (47). وفي الزخرف نقرأ قوله تعالى: ) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ، وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ،وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ ، لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ( (48). وفي سورة النبأ ) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا ، وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ، وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ، وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ، وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا ، وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ، وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا ، وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ، وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا ، لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا ، وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ( (49). بل إن القرآن الكريم لا يفتأ يسير على هذه الطريقة حتى وهو يتحدث عن أصل نشأة الأرض فهاهي سورة الأنبياء تقول: ) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ، وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ، وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ، وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ( (50).

         

        وهذا النهج القرآني في الحديث عن "الأرض" يجعلنا نخلص إلى أن الأرض في القرآن الكريم تمثل نظاماً بيئياً متكاملاً يضم كافة عناصر البيئة الطبيعية والبيئات الفرعية الأخرى التي يتحدث عنها الفكر المعاصر (51)، وأن الخلاف بين الفكر الإسلامي والمعاصر في هذا الشأن ينحصر في التسمية والمصطلح دون المضمون والجوهر.

 

4-              تعريف البيئة في التصور الإسلامي:

 

        انتهينا آنفا إلى أن القرآن الكريم استخدم الفعل (بوأ) وما تصرف منه للدلالة على المحيط أو الوسط الذي يعيش فيه الإنسان، كما استخدم لفظ "الأرض" باعتبارها نظاماً بيئياً متكاملاً يضم كافة عناصر البيئة الطبيعية والبيئات الفرعية الأخرى (52)، وبناء على ذلك يمكننا تعريف البيئة وفق التصور الإسلامي بأنها: الكون الذي يعيش فيه الإنسان بما يشمل من مظاهر طبيعية خلقها الله تعالى، يتأثر بها ويؤثر فيها، فهي -  في جوهرها -  تصدق على كافة الموارد الكونية التي أتاحها الله للإنسان كي يحصل منها على مقومات حياته، سواء أكانت على سطح الأرض أم في باطنها أم في فضائها أم في الغلاف الكوني، ومن ثم فهي تشمل: الأرض التي يعيش عليها ويأكل من خيراتها، والبحر الذي تمخر عبابه السفن ويستخرج منه الناس حليتهم   وطعامهم ،والهواء الذي يتنفس ،  والشمس التي تمد الكون بالضياء والطاقة ،  ومجموعة النباتات والحيوانات التي تمثل عماد الحياة وأساس التوازن الطبيعي ، والجبال التي تثبت الأرض وتحميها من الاضطراب ، والمياه العذبة التي بها قوام الحياة، والمناظر الطبيعية والأماكن العامة التي يستروح فيها الناس.

         

        والواقع أن الرؤية التي نطرحها ، وهي توسيع مدلول مصطلح "البيئة" كيما يغدو مقابلا لمصطلح "الكون" (53). هذه الرؤية – فوق أن لها ما يبررها ويدعمها من منهج القرآن في حديثه عن الأرض واستخدامه للأصل اللغوي الذي يعود إليه مصطلح البيئة (54). هي الأولى والأوفق والأقرب إلى تحقيق ما نصبو إليه من حماية فعالة للبيئة ؛ ذلك أنه لم يعد أي جزء من أجزاء هذا الكون، لا سيما في ظل التقدم التكنولوجي الهائل الذي يشهده عالم اليوم، بمعزل أو بمنأى عن النشاطات والطموحات والتطلعات البشرية ،  وقد شاهدنا في الآونة الأخيرة أنماطا من تلك النشاطات تمارس في الفضاء الخارجي ،  بل والغلاف الكوني ،  فضلاً عن الوسط الأرضي بكافة عناصره ومكوناته، ولا شك أن إقصاء أي عنصر من هذه العناصر وإخراجه من إطار البيئة المشمولة بالحماية من شأنه أن يشكل تهديداً لباقي العناصر وفقاً لخصيصة التوازن والتساند البيئي  (55)  .وعليه فإن توسيع مصطلح "البيئة" على نحو ما قدمنا، من شأنه أن يحقق الأمن بمفهومه الشامل الذي يحفظ لكافة العناصر والمقومات نقاءها وفطرتها ووجودها ونموها، ويمكن  من الانتفاع بها دون إفساد لمظاهرها وخصائصها وتنوعها ، ويجعلها -  بالتالي  - في سياج منيع  يقيها من الجور والعبث أو التلويث أو الاستنزاف.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثاني

عناصر النظام البيئي وسماتها في الإسلام

 

5-              بيان وتحديد:

 

        عناصر النظام البيئي هي تلك المقومات الحية والغير حية المبثوثة في الكون، والتي تحيط بالإنسان، ويمارس في إطاراتها مختلف نشاطاته ويؤمن متطلباته (56) وتتمثل المقومات الحية في النبات والإنسان والحيوان والطير وغيرها من الأحياء الأخرى، أما العناصر غير الحية في النظام البيئي فتشمل الماء والهواء والتربة والجبال والرياح والبحار والأنهار والفضاء الخارجي والغلاف الكوني (57)، ولهذه العناصر أو المقومات خمس سمات في التصور الإسلامي هي: التنوع، التوازن، التكامل، الحياة، والجمال، ونميط اللثام عنها تباعا فيما يلي.

 

6-              سمة التنوع:

 

        وتجد هذه السمة أساسها في قوله تعالى: ) وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ( (58). والمعنى أنها جماعات مماثلة للناس في الخلق والرزق والحياة والموت والحشر (59). وبعض هذه الأمم قد نجهل الحكمة من خلقها ،  لكن ذلك لا ينبغي أن يحول دون إسداء الحماية لها حتى لا تنقرض وتفنى بالكلية (60). ألا ترى أن الرسول ( r ) يتحدث عن إحدى هذه الأمم، وهي أمة الكلاب، فيقول: (( لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها، فاقتلوا منها الأسود البهيم )) (61). وقد وضح الخطابي الحكمة من الإبقاء عليها بقوله: (( كره إفناء أمة من الأمم، وإعدام جيل من الخلق، حتى يأتي عليه كليّة ، فلا يبقى منه باقية ؛ لأنه ما من خلق لله تعالى إلا وفيه نوع من الحكمة وضرب من المصلحة )) (62). وإذا تقرر ذلك بشأن أمة الكلاب تقرر في سائر الحيوانات والحشرات والنباتات بطريق القياس ، فبعض الكائنات الدقيقة تسهم بفعالية في إنتاج الطعام والشراب والملبس ،  وبعضها يعمل على تثبيت النيتروجين في النباتات البقولية ،  وبعضها يعمل على تحليل بقايا الكائنات الميتة وزيادة خصوبة التربة ،  كما تقوم بعض أنواع الحشرات بعملية تلقيح بعض النباتات.

         

        وعديدة هي الآيات التي تقرر سمة التنوع، ففي شأن التربة مثلاً جاء قوله تعالى: ) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا ( (63). فالبلد الطيب هي الأرض الطيبة التربة  ، أي الخصبة . والذي خبث هو الأرض الرديئة التربة  ، أي السبخة ،  وهي لا تخرج إلا قليلا عسر الخروج. والجبال هي الأخرى متنوعة الأحجام والألوان ) وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ( (64). وفيما يتصل بالدواب  فأنت تجدها مختلفة الأشكال والأنماط ) فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ ( (65). ومثل ذلك يقال عن النباتات ،  هي أنواع تتأبى على الحصر ،مختلفة الأشكال والطعوم والألوان، قال تعالى: ) وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ ( (66). وقال أيضاً: ) وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ( (67). وقال كذلك: ) وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ( (68).

 

7-              سمة التوازن:

 

         نعني بالتوازن أن العناصر البيئية المتنوعة قد خلقت -  من حيث الكم  - بأقدار وكميات معينة ،  وأنها -  من حيث الكيف  - قد خلقت بخصائص ومواصفات محددة ،  وأن هذا التقدير وذاك التحديد تمّا وفقاً للوظيفة أو المهمة التي يؤديها كل عنصر ومدى حاجة الموجودات إليه.

         

        ولنأخذ مثلاً على ذلك عنصر الماء، ففيه جاء قول الحق تعالى ) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا ( (69). وقوله سبحانه: ) وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ( (70). ويقول المفسرون في هذا المقام، إن الله تعالى ينزل الماء بمقدار ثابت محدد ،  فما من عام أكثر مطراً من عام، غير أن الله تعالى يصرفه إلى من يشاء ويمنعه من يشاء(71)، ويصحح هذا التأويل ويقويه قوله تعالى: ) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء ( (72). أي أنه سبحانه هو الذي يوجه المطر إلى حيث يشاء نزوله فيه، يقول في موضع آخر ) وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء ( (73). ويقول كذلك )وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ( (74). وأيضاً: ) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاء إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ ( (75). وهذا يفيد أن الله تعالى هو الذي يسوق المطر إلى حيث يشاء أن ينزل ، أي أن كمية المطر لا تختلف باختلاف الأعوام  ، وإنما الاختلاف يكون فقط في موضع نزول الأمطار.

         

       ولما كان الماء هو المكون الأساسي في تركيب مادة الخلية والوسط الذي تحصل منه خلايا الجسم الحي على الغذاء(76)، صح وصفه بأنه شريان الحياة ، وإليه الإشارة في قوله تعالى: ) وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حيّ ( (77). ومن هنا كان القدر المنزل منه يتناسب وحاجة الموجودات إليه (78)، وإن ارتهن ذلك باحترامهم لمنهج السماء  ، وهو ما يشير إليه قوله تعالى: ) وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا ( (79). لأنه نزوله وكونه على الصفة المستساغة رهن مشيئته سبحانه وتعالى: ) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ ، أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ ، لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ ( (80). أما حيث تقع المخالفة، فإن العقاب يقع لا محالة، إما في صورة حبس نزول المطر، قال ( r ) (( ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين)) (81). جمع سنة ،  وهي المجاعة والقحط . وفي حديث آخر (( ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا )) (82). وإما في صورة زيادة هطول المطر عن القدر المناسب فيكون الهلاك بالغرق كما حدث بالنسبة لقوم نوح عليه السلام ) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ ، وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ( (83).

 

          وإذا نظرنا إلى عنصر آخر كالمعادن ،  نجد أن مقدارها يكون مناسباً دائماً للمهمة التي نيطت بها . وللفخر الرازي عبارة جميلة في تحديد سبب عجز البشر عن إيجاد عنصريّ الذهب والفضة،، مع أنهم استطاعوا إنزال الطير من أوج الهواء ،  واستخراج السمك من قاع البحار ،  حيث يقول: (والسبب فيه – أي في هذا العجز – أنه لا فائدة في وجودهما إلا الثمنية ،  وهذه الفائدة لا تحصل إلا عند العزة  ، فالقادر على إيجادهما يبطل هذه الحكمة ؛ فلذلك ضرب الله دونهما بابا مسدوداً، إظهاراً لهذه الحكمة وإبقاء لهذه النعمة ؛ ولذلك فإن مالا مضرّة على الخلق فيه مكنهم منه فصاروا متمكنين من اتخاذ الشبه من النحاس والزجاج من الرمل.. ) (84).

         

        وإذا ولينا وجهنا شطر عنصر النبات، نجد قول الحق تبارك وتعالى: ) وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ ( (85). وقد اختلف في المراد بذلك ،  فقيل :  إن المراد به أنه متقدر بقدر الحاجة، لأنه تعالى يعلم المقدار الذي يحتاج إليه الناس وينتفعون به فينبت الله تعالى في الأرض ذلك المقدار. (86).   وقيل المعنى أن كل نبات قد وزنت  عناصره وقدرت تقديراً ،  فنرى العنصر الواحد يختلف في نبات عنه في الآخر بوساطة امتصاص الغذاء من العروق الضاربة في الأرض  ، والذي حدد هذا الاختلاف الفتحات الشعرية التي في ظواهر الجذور ،  وثقوب كل نبات لا تسع إلا المقدار اللازم لها من العناصر ،  وتطرد ما سواه ؛ لأنه لا يلائمها ؛ إذ هي قد كونت على هيئة خاصة بحيث لا تبتلع إلا تلك المقادير بعينها فعنصر البوتاس يدخل في حب الذرة بمقدار 32% وفي القصب بمقدار 34.3% وفي البرسيم بمقدار 34.6% وفي البطاطس بمقدار 61.5% ،  وبهذا التفاوت صلح القصب لأنه يكون سكراً، والبرسيم لأن يكون قوتاً للبهائم، والذرة والبطاطس لأن تكون قوتاً للإنسان (87).

         

         ولو استقرأت عناصر النظام البيئي جميعاً لألفيتها تسير على قاعدة التوازن باطراد ،  وإلى ذلك الإشارة بقوله سبحانه وتعالى ) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ( (88). وقوله ) وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ( (89). وقوله ) وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ ( (90). وقوله )قد جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ( (91). يقول الشيخ سيد قطب في كتابه مقومات التصور الإسلامي عن الكون (إنه البيئة الكبرى للحياة ، وهو كون مقدر مدبر ،  وكل حركة فيه محسوبة بحساب دقيق وموزونة بميزان إلهي لا يخطئ).

 

        وينبني على ذلك ،  أن عناصر النظام البيئي تظل نافعة ومفيدة وقادرة على إعالة الحياة طالما ظلت محتفظة بخصائصها الكمية والنوعية كما خلقت ،  دون تغيير جوهري فيها ، لكنها في المقابل تفقد هذه القيمة وتتحول إلى عناصر ضارة خطرة إذا تغيرت هذه الخصائص.

 

8-              سمة التكامل:

 

        وإذا كانت العناصر البيئية على ما وصفنا من التنوع ،  إلا أنها متكاملة فيما بينها ،  ومظهر هذا التكامل يتمثل في وجود نوع من الارتباط العضوي والوظيفي الذي يجسد وحدة الغرض والغاية ،  ومن ثم فهي تتبادل التأثير والتأثر فيما بينها ،  كما أنها تتساند وظيفيا كيما تكون قادرة على أداء مهمتها المنوطة بها ؛  ألا ترى كيف يربط القرآن الكريم بين كافة العناصر البيئية، حيث يقول: ) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ( (92). وبناء عليه  ، فإن أي تغير أو اختلال أو إفساد يلحق بأحد هذه العناصر ،  سوف يتعدى ضرره إلى بقية العناصر.

 

9-              سمة الجمال:

 

           إن صفحة الكون كله (وهو البيئة الكبرى للحياة) بما فيه من عناصر ومقومات ،  هي مظهر من مظاهر الإبداع في الخلق، قال تعالى: ) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خلقه( (93). وقال:  )فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ( (94). ومن هنا كان المنظر الخلاب للطبيعة الذي تنشرح له النفوس نعمة من النعم التي امتن بها المولى عز وجل على عباده، قال تعالى عن الأنعام : ) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ( (95). وقال: ) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ( (96). وقال عن النبات : ) وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ( (97). وقال: ) انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ( (98). وقال عن كافة الموجودات ) إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ( (99).

 

10-         سمة الحياة:

 

        يخطئ من يظن أن العناصر التي تتكون منها البيئة عناصر لا حياة فيها، فالحق أنها كيانات حية نابضة بالأحاسيس والانفعالات ، فهي تبكي وتخشى (أي تخاف) وتغضب وتحب وتكره وتسبح بحمد خالقها وتسجد له ، ومن ثم كان واجبا على المسلم أن يتعامل معها على هذا الأساس ،  وأن يستشعر أن  الحياة تدب في كل ما حوله مما يراه ومما لا يراه ،  وكلما همت يده أن تلمس شيئاً أو تفتك به، وكلما همت رجله أن تطأ شيئاً أو تدهسه استشعر أن هذا الشيء كيان حي يسبح بحمد خالقه ، فيكف عن اعتدائه.

          والقرآن الكريم حافل بالأدلة على ما نقول ،  فعندما أغرق الله فرعون وقومه قرر القرآن أنهم ذهبوا غير مأسوف عليهم لا في أرض ولا في سماء، لأنهم كانوا جبارين يطأون الناس بنعالهم، فغدا الكون كله يمقتهم، اقرأ قوله تعالى في ذلك ) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ ( (100). وفي موضع آخر  ، يسجل القرآن أن السماوات والأرض والجبال تستشعر عظمة المسئولية وتقدرها حق قدرها ،  ومن ثم فضلت التسيير على التخيير عندما عرضت عليها أمانة التكاليف الشرعية ) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ( (101). وليست هذه المخلوقات بدعاً في أمر هذه الخشية، فالحجارة تشاركها في هذا ) وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ ( (102). وها هو الرسول ( r ) يقول -  وقد أشرف على المدينة عائداً من تبوك - ((هذه طابة، وهذا أحد جبل يحبنا ونحبه)) (103).

            

           ولا يقتصر الأمر على ما تقدم ،  فعناصر البيئة تخاطب وتستجيب لمضمون الخطاب ، ففي التنزيل  : ) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي ( (104). وفيه أيضا ) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ( (105). وها هو جبل حراء تضطرب إحدى صخراته وتتحرك، فيخاطبه النبي ( r ) ((اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد)) (106). وفي رواية ( اسكن حراء ، فما عليك الا نبي أو صديق أو شهيد ) ( 107 ) .  وانظر كيف غضبت السماوات والأرض والجبال لسماعها كلمة الشرك التي تمس قداسة الذات العلية، سجل القرآن ذلك في قوله تعالى ) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ،  أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ( (108). وذات الموقف يسجله القرآن للهدهد ) وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ ، ألاّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ( (109). ثم ألا ترى إلى قوله تعالى: ) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ ( (110). وقوله: ) تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ( (111). وانظر كيف تجاوب الكون كله مع داود وهو يرتل مزاميره ويمجد خالقه ، قال تعالى :) يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ( (112). ) وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ( (113). ثم ألا ترى أن كل المخلوقات تسجد لخالقها ) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ( (114). فما هي دلالة كل ذلك؟ لا شك أن على المسلم أن يعلم أن كل حصاة وشجرة وورقة وزهرة وثمرة وكل حشرة وزاحفة وحيوان ، وكل سابحة في الماء أو الهواء ،  كل ذلك كائنات حية تعرف خالقها وتسبح بحمده  ، فما ينبغي له أن يفسد فيها.

 

 

 

 

المبحث الثالث

موقف الإسلام من البيئة

 

11-تمهيد وتقييم

 

       موقف الإسلام من البيئة موقف إيجابي، يقوم في شق منه على البناء والتعمير والتنمية، فيما يقوم في شقه الآخر على حماية البيئة من أي إفساد أو استنزاف لمواردها، ونفرد لكل موقف مطلبا على حدة فيما يلي:

 

المطلب الأول

تعمير البيئة وتنميتها في الإسلام

 

 

12-العمل ودوره في تعمير البيئة وتنميتها:

 

      

        حين خلق الله الأرض – وهي البيئة الصغرى للإنسان – بارك فيها، وأودع فيها من المقومات مابه قوام حياة جميع الكائنات ، قال تعالى: ( وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين )116، وقال: ( ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش  قليلا ما تشكرون )117 ، وقال: ( الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات )118، لكن حكمته – جلّ في علاه – اقتضت ألا تنال الأقوات المقدرة إلا بجهد يبذل وعمل  يُؤدى، لهذا  رتب سبحانه  وتعالى  الأكل  من رزقه على المشي في  مناكب الأرض، فقال سبحانه: ( فامشوا في مناكبها         وكلوا من رزقه )119، وقال: ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا  في الأرض وابتغوا من فضل الله )120، وتلك سنة الله في خلقة: من مشى أكل، ومن كان قادرا على المشي ولم يمش كان جديرا ألا يأكل. ومن سعى وانتشر في الأرض مبتغيا فضل الله ورزقه، كان أهلا لأن ينال منه، ومن قعد وتكاسل كان جديرا أن يحرم121. بل جعل الإسلام العمل عبادة وضربا من الجهاد في سبيل الله؛ ولهذا قرن القرآن بينهما في قوله سبحانه :  ( وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله )122، وهو الأمر الذي يفسر لنا حقيقة قول عمر (ض): ( ما من حال يأتيني عليها الموت – بعد الجهاد في سبيل الله – أحبّ إلىّ من أن يأتيني وأنا ألتمس من فضل الله ) ثم تلا هذه الآية: ( وآخرون يضربون في الأرض )123.

 

    

            وللعمل في الإسلام مفهومه الواسع الذي يشمل كل عمل وكل قادر عليه. فأما العمل فإنه لا ينحصر في أداء العبادات والشعائر ، بل يتناول كافة ألوان النشاط والحركة الفاعلة الايجابية التي تسهم في تنمية الموارد البيئية، وبالتالي في نهضة الأمة وتقدمها. وأما العامل، فإنه كل قادر على العمل، ذكراً أكان أم أنثى، فكل قادر على العمل مطالب أن يعمل، مأمور أن يمشي في مناكب الأرض، كما قال سبحانه ( فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه )124. ويتعين على المسلم أن يجعل حركته في الحياة بالقدر اللازم لتحقيق التكافل الاجتماعي،لا بالقدر اللازم لتأمين احتياجاته واحتياجات من تلزمه نفقته. ففيما روي عنه (ص ) أنه قال: ( إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل )125.

     

         والعمل بهذا المفهوم العام، لا سيما في الشق المتعلق بضروب النشاط والحركة الفاعلة في المجتمع يعدّ العنصر الأول في عمارة الأرض التي استخلف فيها الإنسان، وأمر بتعميرها، مصداقا لقوله تعالى: ( هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها )126، أي أمركم بعمارة ما تحتاجون إليه من بناء مساكن وغرس أشجار وغير ذلك127. ووجوب التعمير هو ما يراه كثير من أهل العلم؛ تأسيسا على أن الطلب المطلق من الله تعالى يفيد الوجوب128. وبناء عليه تكون كل الوسائل المحققة لتعمير البيئة واجبة، كشق الطرق والمصارف وبناء المصانع والمساكن وتهيئة الأرض للزراعة وتعبيد الطرق ...الخ، فهل ثمّ وسيلة أو آلية أجدى من ذلك في تعمير البيئة وتنميتها؟!.

 

 

13-كسب ملكية الأرض الموات بالإحياء ودوره في التعمير والتنمية:

 

     

         تشجيعا للأفراد على تعمير البيئة وتنمية مواردها، جاء التوجيه النبوي قاضياً بتمليك الأرض لمن أحياها؛ فعن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله (ص) قال: ( من أحيا أرضا ميتة فهي له.. )129

 

     

         وقد خصص الفقهاء لأحكام هذا الموضوع بحثا أسموه ( باب إحياء الموات )، وحقيقته عندهم تتمثل في أن يعمد شخص إلى أرض لم يتقدم ملك عليها لأحد، فيحييها بالسقي أو بالزرع أو بالغرس، فتصير بذلك ملكه130. وقد اختلفت عباراتهم في تحديد المقصود بالأرض الموات التي يتملكها الشخص بالإحياء، فقال بعضهم: هي الأرض الخراب الدارسة131، ووضع بعضهم الآخر شروطا ثلاثة لإضفاء وصف " الموات " على الأرض، وهي: ألا تكون مملوكة لأحد، وألا تكون من مرافق البلد، وأن تقع خارجه، لا فرق بين القريب منها والبعيد في ظاهر الرواية132. أما أبو يوسف فإنه يرى أن الأرض الموات هي البقعة التي لو وقف رجل على أدناه من العامر،ونادى بأعلى صوته، لم يسمعه أقرب من في العامر إليه133. فيما يقول القزاز، إنها الأرض التي لم تعمر، شبهت العمارة بالحياة، وتعطيلها بفقد الحياة134. تلك أقوالهم في تحديدها، ما قصدنا بذكرها تضخيم صفحات بحثنا، بل قصدنا أن نوقفك على أن مناط تملكها بالإحياء عندهم رهن وصفين لا غنى عنهما، كونها ميتة بالفعل، وكون العمل الذي باشره الشخص أفضى إلى إحيائها بالفعل. وأنت خبير إذن بمردود هذه الآلية بالنسبة لتعمير البيئة وتنمية مواردها وتقوية اقتصاد الأمة.

 

     

         ولما كانت الغاية من تقرير كسب ملكية الأرض الموات بإحيائها هي تشجيع الأفراد على مباشرة أسباب تعمير البيئة وتنميتها، فقد تعين – من جهة أولى – إعطاء  فعل " الإحياء " مدلولا واسعاً، ليشمل كل عمل يباشره الفرد متى ترتب عليه إدخالها في دائرة الانتفاع بها، مثال ذلك: البناء، التسوير، الغرس، الزرع، قطع الأشجار والأعشاب التي تحول دون الإنتفاع بها، واستصلاح السبخة منها وتحويلها إلى أراضي صالحة للزراعة135... الخ.

 

     

        ومن جهة أخرى، لم يكن هناك بُدٌّ من وضع سقف زمني لاحتجاز الأرض على ذمة إحيائها، فإن عجز المحتجز عن إحيائها خلال تلك المدة انتزعت منه وأُعطيت لغيره ممن يقدر على إحيائها؛ إذ الاكتفاء بمجرد الاحتجاز والحيازة، فيه تجميد لمنافعها، وتشجيع على التراخي في القيام بواجب التعمير والتنمية المطلوبين شرعا؛ ومن هنا جاء التوجيه النبوي مقررا أن: ( عادي الأرض لله ولرسوله، ثم لكم من بعد، فمن أحيا أرضا ميتة فهي له، وليس لمحتجز حق بعد ثلاث سنين )136 وهكذا جعل الشارع مدة الثلاث السنوات ميقاتا كافيا لاختبار مدى قدرة المحتجز على التعمير والتنمية، فإن عجز عن الإحياء خلالها عادت ملكا للجماعة، أو كما عبر الشارع " لله ولرسوله "، وبهذا حال الشارع دون تحول " الاحتجاز " إلى ضرب من ضروب الإقطاع.

 

14-توظيف الوجدان الديني للتشجيع على تعمير البيئة وتنميتها:

 

     

         وهذه مما تتفرد به شريعتنا، فلا تشاركها فيه التشريعات الوضعية، فلقد جاءت النصوص الشرعية مقررة أن تعمير الأرض بالبناء أو الغراس أو الزراعة يُعدّ بمثابة صدقة جارية، يبقى ثوابها بعد وفاة من أعمرها، فعن معاذ بن انس (ض) أن الرسول (ص) قال: ( من بنى بنياناً في غير ظلم ولا اعتداء، أو غرس غرسا في غير ظلم ولا اعتداء، كان له أجرٌ جارياً ما انتفع به من خلق الرحمن تبارك وتعالى )137، وعن أنس قال: قال رسول الله (ص): ( سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره وهو بعد  موته: من علم علما، أو كرى نهراً – أي وسع مجراه – أو حفر بئراً، أو غرس نخلا، أو بنى مسجداً، أو ورث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته )138، وعن جابر قال: قال رسول الله (ص): ( ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، ولا يرزؤه أحد – أي يصيب منه وينقصه – إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة )، وفي رواية: ( فلا يغرس المسلم غرسا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طير إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة )139.

 

15-حث الأفراد على الإحسان إلى عناصر النظام البيئي:

 

     

         من روائع ما دعت إليه السنة النبوية الإحسان إلى أضعف عناصر النظام البيئي، وهو الحيوانات العجماء، فعن سهل بن الحنظلية قال: مر رسول الله (ص) ببعير قد لحق ظهره ببطنه، فقال: ( اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة وكلوها صالحة )140، ودخل (ص) حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى النبي (ص) حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه النبي (ص) فمسح ذِفراه فسكت، فقال: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله. فقال: ( أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؛ فإنه شكا إليّ أنك تجيعه وتُدْئبهُ )141.

 

     

          ولا يقتصر الأمر على مجرد إطعام الحيوان، ولكنه يتعدى ذلك إلى منع ترويعه أو تخويفه، فعن عبد الرحمن بن عبدالله عن أبيه قال: كنا مع رسول الله (ص) في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حُمَّرة ( طائر صغير كالعصفور ) معها فرخان فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تفرش، فجاء النبي (ص) فقال: " من فجع هذه بولدها" ؟ ردوا ولدها إليها142. وها هو (ص) يرى صبيانا من قريش وقد صبروا دجاجة يترامونها فنهى أن تصبر البهائم143، ولعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا144، بل إنه (ص) نهى عن إذلال الحيوان الأعجم، ألا ترى أن جابرا روى أن النبي (ص) مُرَّ عليه بحمار قد وُسِمَ في وجهه، فقال: أما بلغكم أني قد لعنت من وسم البهيمة في وجهها أو ضربها في وجهها، فنهى عن ذلك145.

     

        ولقد أخبرنا (ص) أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها حتى ماتت،  فلا هي أطعمتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض146، كما أخبرنا (ص) أن الله تعالى غفر لشخص؛ لأنه سقى كلبا رآه يلهث من شدة العطش. وحين أثار ذلك استغراب الحاضرين وضع (ص) القاعدة الهامة مقررا ( في كل كبد رطبة أجر )147.

 

     

         وإن هذه التوجيهات وإن كانت واردة في الإحسان إلى الحيوانات؛ وهي أضعف عناصر النظام البيئي ، إلا أنها تستصحب بالنسبة للعناصر الأخرى، فعلى المسلم أن يحسن إلى البيئة بكل ما تحمله كلمة الإحسان من المعاني، وبالنسبة لكل ما يُعد من عناصر البيئة ومكوناتها.   

 

المطلب الثاني

حماية البيئة في الإسلام

 

16- صور الاعتداء على البيئة:

 

       يمكننا – على سبيل التأصيل – رد صنوف الاعتداء على البيئة إلى صورتين هما: إفساد البيئة، واستنزاف مواردها. أما إفساد البيئة فإنه يعني النشاط أو السلوك البشري الذي يؤدي إلى تلويث أحد العناصر البيئية، بحيث تتحول من عناصر مفيدة إلى عناصر ضارة، وبالتالي تفقد وظيفتها التسخيرية المنوطة بها وهي كفالة الحياة للموجودات كافة. وأما استنزاف الموارد البيئية فإنه يعني تجاوز الحدود المعتادة في التعامل مع تلك الموارد، بشكل يفضي إلى نضوبها أو شحها، فتغدو غير كافية للوفاء بمتطلبات الحياة على الأرض.

 

إفساد البيئة

 

17-مدلول الإفساد لغة واصطلاحا:

 

       يُقال أفسد الشيء يفسده إفساداً، وفسد الشيء يفسد فساداً، والإفساد سلوك بشري يؤدي إلى ظهور الفساد في الأرض، وهذا يعني أن الفساد بالنسبة للإفساد كالثمرة أو النتيجة التي تترتب عليه، وعلى كل فالمعاجم اللغوية تذكر أن الفساد هو زوال الصورة عن المادة بعد أن كانت حاصلة148، وينبني على ذلك أن يكون الإفساد هو إزالة هذه الصورة بأي تصرف كان. والفساد نقيض الصلاح149، كما أن الإفساد هو نقيض الإصلاح، ومثل ذلك المصلحة والمفسدة.

 

     

        وجدير بالذكر أن المقابلة بين الإفساد والإصلاح باعتبارهما نقيضين شائعة في كتاب الله تعالى، ومن ذلك قول صالح لقومه وهو يعظهم: ( ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون )150، وأيضا قول شعيب عليه السلام لقومه وهو يعظهم أيضا: ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين )151. وفيما حكاه القرآن عن ثمود جاء قوله تعالى: ( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يُصلحون)152 ، وقوله سبحانه في شأن المنافقين: ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون )153.ومثل ذلك قوله سبحانه وتعالى مخاطبا المسلمين: ( ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يُحب المعتدين، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمت الله قريبٌ من المحسنين )154.

 

18-دلالات الإفساد في الأرض في القرآن الكريم:

 

     

         تكرر ذكر الأصل اللغوي الذي يرجع إليه لفظا الفساد والإفساد في القرآن الكريم، وبتتبع المواضع التي ذكر فيها، ألفينا القرآن الكريم يستعمله للدلالة على معنيين:

 

الأول: سوء الأحوال فيما ينتفع به الناس من خيرات الأرض برّها وبحرها. ومن هذا المعنى قوله تعالى: ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون )155، فقد قال صاحب  التحرير والتنوير في تفسير هذه الآية: الفساد هو سوء الحال، وهو ضد الصلاح، ودل قوله: " في البر والبحر " على أنه سوء الأحوال فيما ينتفع به الناس من خيرات الأرض برها وبحرها، ففساد البر يكون بفقدان منافعه وحدوث مضاره مثل حبس الأقوات من الزروع والثمار والكلأ، وفي موت الحيوان المنتفع به، وفي انتقال الوحوش التي تصاد من جراء قحط الأرض إلى أرضين أخرى، وفي حدوث الجوائح من جراد وحشرات وأمراض. وفساد البحر يظهر كذلك بتعطيل منافعه من قلة الحيتان واللؤلؤ والمرجان وكثرة الزوابع الحائلة عن الأسفار في البحر ونضوب مياه الأنهار وانحباس فيضانها156 وبناء عليه يكون معنى الآية أن ما يصيب النعم التي يستفيد منها الإنسان في معاشه وأحواله من أضرار يكون جزاءً للناس على سوء أعمالهم، وما هذه الأعمال  السيئة إلا ما يتدخل به الإنسان من تصرفات شريرة وما يحدثه في الكون من مفسدات، ولهذا عبر تعالى بقوله " ظهر " أي أن الفساد لم يكن موجوداً في الأصل، وإنما أحدثه الإنسان. ويزيد في تأكيد هذا المعنى قوله " بما كسبت أيدي الناس" ؛ لأنه إذا كان الإنسان قادراً على الابتكار والتجديد، وعلى إحداث التغيير والتطوير، إلا أنه – في الوقت ذاته – قادر على التدمير وعلى الإبادة بما يشنه من حروب، وبما يثيره من اعتداءات على غيره، وأحياناً على نفسه وعلى الكون المحيط به، وقد يصل إلى ذلك بالعلم، فلا شك أن سلبيات التكنولوجيا المعاصرة تدخل في نطاق هذا العلم الذي لا ينضبط بالقيم الخُلُقية157.

 

والثاني: مخالفة السلوك البشري للمنهج الذي رسمه الله تعالى لصلاح هذا الكون، أعني المخالفات الشرعية، أو المعاصي. ووفق هذا المعنى يكون الإفساد مراداً به: العمل الذي يصدر من المكلف مخالفا شرع الله تعالى. ومن هذا المعنى وصف لوط عليه السلام قومه بـ " المفسدين "؛ نظرا لما ارتكبوه من أعمال تخالف شرع الله تعالى، ألا تراه يقول مخاطبا قومه : ( إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين،أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر) وكان ردّهم ( ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين )، فتوجه إلى ربه داعياً: ( رب انصرني على القوم المفسدين )158. وعندما اتهم الحراس إخوة يوسف بسرقة صواع الملك نفوا هذه التهمة عن أنفسهم قائلين: ( لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين )159، وها هو موسى عليه السلام يصف سحرة فرعون بأنهم " مفسدين "، لأنهم جاءوا بسحر عظيم، فقال لهم: ( ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين )160، ثم تأمل قوله تعالى: ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها )161، وما قاله المفسرون في تأويلها؛ فقد قال صاحب تفسير المنار في ذلك ( أي لا تفسدوا في الأرض بعمل ضائر ولا بحكم جائر مما ينافي صلاح الناس في أنفسهم... أو في معايشهم ومرافقهم من زراعة وصناعة وتجارة وطرق مواصلات ووسائل تعاون، لا تفسدوا فيها بعد إصلاح الله تعالى لها بما خلق فيها من المنافع وما هدى الناس إليه من استغلالها والانتفاع بتسخيرها لهم )162، ويقول المراغي في هذا الصدد: ( إن الإفساد شامل لإفساد العقول والعقائد والآداب الشخصية والاجتماعية والمعايش والمرافق من زراعة وصناعة وتجارة ووسائل تعاون بين الناس )163.

 

    

         والخلاصة، أن القرآن استعمل مادة الإفساد للدلالة على كل سلوك بشري من شأنه أن يفضي إلى اختلال التوازن البيئي، وأنه استعمل مادة الفساد للدلالة على ما يصيب التوازن البيئي من خلل فعلي ناجم عن سلوك البشر الذي يخالف المنهج الشرعي للتعامل مع الموارد البيئية، بعبارة أخرى، لفظ الإفساد عام يشمل كل ما يصدق عليه هذا المعنى من الجليل كالأمور الاعتقادية المعنوية، ومن الدقيق كالأمور العملية الحسية164، مثل قطع شجرة غير مضرة، أو قتل عصفور عبثا، وقد اجتمع النوعان معاً في شخصية الأخنس بن شريق جاء إلى النبي (ص) وأظهر له الإسلام فأعجبه ذلك منه، ثم خرج فمر بزرع لقوم وحمر، فأحرق الزرع وعقر الحمر، فنزل قوله تعالى: ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد )165-166.

 

 

19-حكم الإفساد في الأرض:

 

 

       الإفساد في الأرض حرام شرعا، وهذه الحرمة تجد أساسها فيما يأتي:

-نهى الشارع عن الإفساد في الأرض.

-إيجاب الشارع النهي عن الإفساد في الأرض.

-قاعدة الضرر يزال وحرمة الإفساد في الأرض. ونفصل ما أجملناه فيما يلي:

 

 

 

20-نهى الشارع عن الإفساد في الأرض:

 

     

         لقد بسط الله الأرض ورفع الجبال وأخصب التربة لتعطي الزروع والثمار، وأغنى باطنها بالثروات ، وجعل فيها من كل شيء نافع بضبط وتقدير دقيقين؛ قال تعالى: ( إنّا كل شيء خلقناه بقدر )167. وقال أيضا: ( وخلق كل شيء فقدره تقديرا )168 أي خلقه بقدر محدود ومضبوط، ويخرجه في وقته المناسب وفق قوانين محكمة ومقاييس ومعايير دقيقة يعلمها سبحانه. ثم دعا الإنسان إلى استثمار الموارد البيئية ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ) 169، ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله )170 وحتى يحسن الإنسان التعامل مع الموارد البيئية، فقد نهاه سبحانه عن إفسادها بإحداث ما يختل به توازن عناصرها اللازم للحياة؛ فقال سبحانه: ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها)171، قال القرطبي: نهى سبحانه عن كل فساد قل أو كثر، بعد صلاح قل أو كثر، فهو على العموم على الصحيح من الأقوال. وقال الضحّاك معناه: لا تعوّروا الماء المعين ، ولا تقطعوا الشجر المثمر ضراراً172.

 

     

         والجدير بالذكر، أن النهي عن الإفساد في الأرض ليس من خصائص الإسلام وحده، بل إنه شريعة عامة لهذه الأمة، وللأمم التي سبقتها، ألا ترى أن شعيبا عليه السلام يقول لقومه: ( اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها )173،قال ابن عباس: كانت الأرض قبل أن يبعث الله شعيبا رسولا يعمل فيها بالمعاصي وتستحل فيها المحارم وتسفك فيها الدماء، قال: فذلك فسادها، فلما بعث الله شعيبا ودعاهم إلى الله صلحت الأرض وكل نبي بعث إلى قومه فهو صلاحهم174. ثم إنك ترى صالحا عليه السلام يقول لقومه: ( واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبؤأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا، وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين )175.ويضيف قائلا: (أتتركون في ما ههنا آمنين، في جنات وعيون، وزروع ونخل طلعها هضيم، وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين فاتقوا الله وأطيعون، ولا تطيعوا أمر المسرفين، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون )176. وعلى الدرب ذاته  يقول موسى لقومه177: ( كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين )178، أي لا تطغوا ولاتسعوا في الأرض بالإفساد، فأصل العثا شدة الإفساد، بل هو أشد الإفساد، يقال: عثى فلان في الأرض، إذا تجاوز في الإفساد إلى غايته179.

 

     

         وإذا ثبت مما تقدم، أن الشرائع كافة تنهى عن الإفساد في الأرض، وكان النهي حقيقة في التحريم، كما يقول الأصوليون، فإن الإفساد في الأرض يكون محرما.

 

21-إيجاب الشارع النهي عن الإفساد في الأرض:

 

     

         تظاهرت الأدلة على وجوب النهي عن المنكر180، وقد أشار القرآن الكريم إلى أن وجود طائفة من الأمة تقوم بنهي الناس عن الإفساد في الأرض كان سببا في نجاة هذه الطائفة مع رسلهم. قال تعالى: ( فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أُترفوا فيه وكانوا مجرمين )181، وهذا يعني أن أداءهم لواجب النهي عن المنكر كان سببا مباشراً في نجاتهم، ولما كان ترك الواجب يمثل عصيانا لأمر الشارع، فإن ترك القيام بهذا الدور يكون حراما وعصيانا.

 

 

22-القواعد العامة وحرمة الإفساد في الأرض:

 

    

          من القواعد العامة في الفقه الإسلامي قاعدة ( الضرر يزال ) وتجد هذه القاعدة سندها الشرعي في قوله (ص)- فيما روى عنه من جهات متعددة جعلته في رتبة الحسن – ( لا ضرر ولا ضرار)182، والجزء الأول من الحديث ينفي الضرر نفيا، ومن ثم يوجب منعه قطعا. أما الجزء الثاني منه فإنه ينفي الضرر في مقابلة الضرر؛ لأن الضرار فعال، أي أن المعتدى عليه لا يتجاوز حقه، بل تكون السيئة بمثلها، على نحو ما تقرر في قوله تعالى: ( وجزاء سيئة سيئة مثلها )183.

 

     

         والملاحظ هنا أن لفظي " ضرر وضرار" وردا منكرين في سياق النفي فأفادا العموم، ومن ثم فالحديث يشمل سائر أنواع الضرر: عامّه الذي يلحق أهل شارع أو حي أو بلدا أو قطرا أو أرجاء المعمورة كلها، وخاصّة الذي يصيب شخصا بعينه. وفي الحالين يشمل الضرر المباشر الذي يقع على المجني عليه بصورة مباشرة، والضرر غير المباشر الذي  يكون محله الموارد البيئية، فيختل توازن عناصرها، ويفضي ذلك إلى الإضرار بالآخرين. ومن ثم يشمل المنع سائر هذه الصور جميعاً.

     

         ويتفرع على هذه القاعدة كثير من فروع الأحكام الفقهية، منها – فيما يخص موضوع بحثنا – تقييد حرية الإنسان في الانتفاع بالموارد البيئية بعدم إفضاء هذا الانتفاع إلى الإضرار بالآخرين، ألا ترى أن ابن القاسم المالكي، المتوفى سنة 191هـ  سُئل عن رجل أراد أن يبني حماما وفرنا وطاحونا فوق أرض فضاء، أيحق لجيرانه منعه من ذلك؟ ، فأجاب نعم؛ ما دام سيسبب لهم ضررا بليغا. وأفاد بذات الجواب عندما سئل عن حداد أراد أن يبني كوراً وفرناً لصهر الذهب والفضة قرب حائط الجيران، تأسيسا على منع الضرر184، وسئل الفقهاء عن شخص أقام مدبغة في بيته تنبعث منها الروائح الكريهة فتؤذي جيرانه، فأفتوا بحقهم في إيقافه وحكموا بإغلاق مدبغته، ومثل هذا القضاء قضوا به في حفر مرحاض أو مصرف غير مغطى – لا تتوافر فيه مواصفات الأمان البيئي 185– تنبعث منه الروائح الكريهة ويكون بيئة صالحة للحشرات المضرة؛ لذا تجمع المؤلفات الخاصة بالحسبة في الإسلام على أن من مهام المحتسب منع الصباغين من وضع أفرانهم في الشوارع؛ لما تبعثه من أدخنه تلوث البيئة وتضر المارة والسكان.ومن مهامه كذلك منع طرح النفايات والجيف في الأسواق والطرقات، حتى لا تكون مرتعاً للحشرات ومصدراً من مصادر التلوث والإضرار بالناس186.وهذه مجرد أمثلة توقفك – فقط – على مدى الوعي البيئي لدى فقهاء المسلمين، ومدى حرصهم على الحيلولة دون تلويث البيئية منعا للضرر.

 

نماذج من النهي عن إفساد البيئة

في النصوص الشرعية

 

23-تلويث الماء:

 

     

         تظاهرت النصوص الشرعية على النهي عن تلويث الماء، فعن أبي هريرة (ض) أن النبي (ص) قال: ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه )187. وروى الطبراني في الأوسط بإسناد جيد عن جابر (ض) قال:( نهى رسول الله (ص) أن يبال في الماء الجاري )188. وبناء على هذا، يكون النهي عن التبول في الماء عاما يشمل جميع الماء، ما كان منه راكداً، وما كان جاريا. ومن جهة أخرى، روى أبو داود وابن ماجة بإسنادهما عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله (ص): ( اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل )189، وعن ابن عباس (ض) قال :  سمعت رسول الله (ص) يقول: ( اتقوا الملاعن الثلاث، قيل وما الملاعن الثلاث يا رسول الله، قال: أن يقعد أحدكم في ظل يُسْتَظَلُّ به أو في طريق أو في نقع ماء )190. والموارد المذكورة في الحديث الأول هي ما سماه الرسول (ص) " نقع الماء " في الحديث الثاني. وبهذا النهي تتكامل أطر حماية الماء من التلوث ومن ثم الحيلولة دون تفشي الأمراض بين الناس.

 

 

 

24-تلويث المرافق العامة:

 

     

        نهى الشارع عن تلويث المرافق العامة ثابت بحديث الملاعن الثلاث الذي أوردناه آنفا، ووجه دلالته على النهي أنه ورد بلفظ ( اتقوا) وهو فعل أمر دال على طلب الكف عن الفعل وتركه، ومن المقرر في علم أصول الفقه أنه من صيغ النهي191.ثم إن الرسول (ص) سمى الظل وقارعة الطريق ملاعن متى وقع بأيّهما فعل التبرز، والملاعن هي موضع اللعن، وهو يعني الطرد من رحمة الله تعالى، وهو لا يكون إلا لكبيرة. ومن جهة أخرى، روى الطبراني في الكبير بإسناد جيد عن حذيفة بن أسيد (ض) أن النبي (ص) قال: ( من أذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم )192، بل إنه جعل إماطة الأذى عن الطريق سببا لدخول الجنة، فعن أبي هريرة (ض) عن رسول الله (ص) قال: ( نزع رجل لم يعمل خيرا قط غصن شوك عن الطريق، إما كان في شجرة فقطعه وألقاه، وإما كان موضوعا فأماطه، فشكر الله له بها فأدخله الجنة )193.

 

      

        ويؤخذ من ذلك أن التبرز في الظل وقارعة الطريق منهي عنه شرعاً، والنهي للتحريم، فيكون هذا العمل محرماً. وإذا ثبتت حرمة التبرز في ذينك الموضعين، ثبتت في غيرهما مما يشاركهما في المعنى، وهو انتفاع الناس كافة به بدون تمييز، كالحدائق والمنتزهات العامة والنوادي الرياضية والمرافق الحكومية.. الخ؛ إذ لا معنى لتخصيص النهي بالظل وقارعة الطريق دون سواهما، ويقوى هذا النظر أن الخطابي جعل النهي مخصوصا بالظل الذي اتخذه الناس مقيلا ومنزلا ينزلونه لاكُلُّ ظل؛ فقد قضى النبي (ص) حاجته تحت حايش من النخل، وهو لا محالة له ظل194, فالمعنى في النهي هو تضرر من يرتاد هذا الموضع، وهو حاصل في كل ما ذكرنا.

 

 

25-الإخلال بالتوازن البيئي:

 

   

         يقع الإخلال بالتوازن البيئي إذا أدى التصرف الواقع من الإنسان إلى إبادة جنس من المخلوقات بالكامل أو تقليل عدده، فقد روى أبو داود أن النبي (ص) قال: ( لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرتُ بقتلها، فاقتلوا منها الأسود البهيم )، قال الخطابي: كره إفناء أمة من الأمم وإعدام جيل من الخلق، حتى يأتي عليه كليّة فلا تبقى منه باقية، لأنه ما من خلق لله تعالى إلا وفيه نوع من الحكمة وضرب من المصلحة195. ويأتي في ذات السياق ما أخرجه أبو داود عن أبي هريرة (ض) أن رسول الله (ص) قال: ( إن نملة قرصت نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه، في أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبّح )196.

وفي ذلك عتاب له على هذا الفعل ، وهو يدل على عدم الرضا عن فعله؛ فيكون سلوكا منهيا عنه؛ وإذا تقرر ذلك في حق الكلاب والنمل، تقرر في حق كافة الأجناس والأمم الأخرى؛ لأن المقصود بقاء التنوع في عناصر المخلوقات، لأن خلقها لا يخلو من الحكمة، وإن خفيت علينا، ولما كان كل شيء مخلوق بقدر، فإن إفناء جنس منها يعني تفويت المصلحة أو الحكمة من خلق هذا الجنس، وهذا ممنوع شرعاً.

 

 

26-خط التنظيم ودوره في حماية البيئة:

 

     

         لا جدال في أن توسيع مساحة الطرق العامة والشوارع يُعد إحدى آليات حماية البيئة، بما يكفله من نقاء الهواء وعدم تلوثه، وبما ييسره من دخول وخروج الوسائل اللازمة لجمع النفايات وطرحها بعيداً عن المساكن. ومن روائع ما دعت إليه السنة النبوية في هذا الشأن هذا التوجيه النبوي الكريم بجعْل عرض الطريق سبعة أذرع، فعن أبي هريرة (ض) قال: قال رسول الله (ص): ( اجعلوا الطريق سبعة أذرع )197. وفي رواية أخرى قال: ( قضى النبي (ص) إذا تشاجروا في الطريق بسبعة أذرع198، وقد نقل ابن حجر عن الطحاوي أن هذا في الطريق التي يراد ابتداؤها، كما بين الحكمة في جعلها سبعة أذرع فقال: ( لتسلكها الأحمال والأثقال دخولا وخروجا ويسع ما لابد لهم من طرحه عند الأبواب )199، وإنك لتعجب لهذا الهدي النبوي الذي صدر في بيئة مساكنها من طابق واحد وكثافتها السكانية محدودة للغاية، فكيف يكون عرض طرقنا وشوارعنا في ظل المباني الشاهقة والكثافات السكانية العالية؟.

 

استنزاف الموارد البيئية

 

27-تحديد:

 

        استنزاف الموارد البيئية يعني تجاوز الحدود العادية في التعامل مع تلك الموارد بشكل يفضي  إلى نضوبها أو شحها. ولهذا الاستنزاف صورتان هما:الإسراف والإتلاف. ونعرضهما تباعا فيما يلي.

 

الإسراف في استخدام الموارد البيئية

 

28-ماهية الإسراف وموقف الشريعة منه:

 

     

         لمادة (سرف) في لغة العرب أصل واحد يدل على تعدي الحد، وعلى إغفال الشيء أيضا. فمن الأول قولك: في هذا الأمر سرف، أي مجاوزة للحد، ومن الثاني قولك: مر بهم فسرفهم، أي أغفلهم. ومما يعود إلى المعنى الأول استعمال السرف بمعنى الجهل أو الضراوة أي الشدة200، ولا يخرج الاستعمال الفقهي والشرعي لمصطلح الإسراف عن هذا المعنى.

 

     

          والإسلام يكره الإسراف في كل شيء ، فهو يكرهه في نطاق عقوبة القصاص201، وفي نطاق الإيصاء202، بل ويكرهه في نطاق العبادات والطاعات203، وقد تراوحت مواقف الإسلام منه بين النهي عنه، والتشجيع على تركه من خلال الثناء على التوسط والاعتدال. فمن قبيل الأول قوله تعالى: ( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)204، ومن الثاني قوله تعالى: ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما )205، وقوله (ص): ( ما وعى ابن آدم وعاءً شراً من بطنٍ، حسب المسلم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه )206.

 

 

 

29-الإسراف في استعمال الموارد البيئية ( الماء أنموذجاً ):

 

     

          حرّم الإسلام الإسراف في استعمال الموارد البيئية حتى ولو كان بمناسبة العبادة. وإذا أخذنا الماء أ نموذجا للموارد البيئية، فإننا نجد أن الرسول (ص) نهى عن الإسراف فيه عند الوضوء، فقد مرّ (ص) بسعد وهو يتوضأ فقال: ما هذا السرف؟ فقال سعد: أفي الوضوء إسراف؟ قال: نعم، وإن كنت على نهر جارٍ )207.

 

         

          وجدير بالذكر إن الإسراف في استخدام الماء في الوضوء له صورتان، أولاهما تكرير غسل الأعضاء، والثانية استعمال قدر من الماء يزيد على مايفي بالغرض من الوضوء. وفي إطار الصورة الأولى تروي كتب السنة أن النبي (ص) توضأ ثلاثاً ثلاثاً، ومرتين مرتين، ومرة مرة208، فقد حدّث ابن عباس أن النبي (ص) توضأ مرة مرة209 أي غسل كل عضو مرة واحدة. كما حدث عبدالله بن زيد الأنصاري أن النبي (ص) توضأ مرتين مرتين210، أي غسل كل عضو مرتين. وقد كان فعله (ص) ذلك بيانا لجواز الاقتصار على الغسل مرة أو مرتين، حين أن تمام السنة هو الغسل ثلاث مرات. ومن هنا اعتبر الفقهاء التقليل من صب الماء في مقدمة مستحبات الوضوء، في وقت عَدُّوا الإكثار من صبه في مقدمة مكروهاته211.

 

      

        أما استعمال القدر الذي يتجاوز ما يفي بالغرض من الوضوء أو الغسل، فإن كتب السنة تروي لنا أن النبي (ص) كان يكتفي بالقدر اليسير من الماء في وضوئه وغسله، ففيما روت عائشة – زوج النبي  الكريم (ص) – أن النبي (ص) كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد212. وقال أنس – خادم الرسول (ص) – كان النبي (ص) يغسل – أو كان يغتسل – بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد213. وروت عائشة (ض) قالت: ( كنت أغتسل أنا والنبي (ص) من إناء واحد يقال له الفرق214 ( بتحريك الفاء والراء ). ومن توجيهاته (ص) بشأن استعمال الماء في تطهير الثياب، ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد عن أسماء (ض) قالت: جاءت امرأة إلى النبي (ص) فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع؟ قال:تَحُتُّه ثم تقرُصُه بالماء وتنضحه وتصلي فيه.

 

     

         وإلحاحا على الاقتصاد في استعمال الماء بيّن النبي (ص)  لنا جواز أداء الصلوات الخمس بوضوء  واحد، فعن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي (ص) صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد، ومسح  على  خفيه ،فقال له عمر: لقد صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه، قال: "عمدا صنعته يا عمر"215. و في ذات السياق روى مسلم عن علقمة والأسود أن رجلا نزل بعائشة، فأصبح يغسل ثوبه، فقالت عائشة: إنما كان يجزئك ، إن رأيته ، أن تغسل مكانه،  فإن لم تر ، نضحت حوله، ولقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله (ص) فركاً، فيصلي فيه216.

 

 

أ نموذجان لثقافة ترشيد استعمال الماء في الاجتهادات الفقهية:

 

 

30-الأنموذج الأول: مدى جواز استعمال مياه المجاري بعد استحالتها:

 

 

     

        تحدث قدامى فقهاء الشريعة عن تطهير الماء المتنجس بالوسائل التي عرفتها العصور التي عاشوا فيها، مثل: إلقاء الطين أو التراب أو الجصّ في الماء المتنجس، والنزح والمكاثرة بصب الماء الطهور فيه حتى يزل تغيره، وقد تراوحت اجتهاداتهم بين إضفاء وصف " الطهورية" على الماء المتنجس بعد استعمال هذه الوسائل، ورفض إضفاء هذه الصفة عليه217 .وإن كان الاجتهاد الغالب والراجح هو القول بطهورية الماء الكثير المتغير بنجاسة إذا زال تغيره باستعمال هذه الوسائل في شأنه.

 

       

        وفي العصر الحاضر، استفتى المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي عن حكم استعمال مياه المجاري بعد تنقيتها في رفع الأحداث وإزالة الأخباث، وجاء في قرار هيئة كبار العلماء بالسعودية رقم 64 في 25/10/1398هـ ما يلي: (( بناء على ما ذكره أهل العلم من أن الماء الكثير المتغير بنجاسة يطهر إذا زال تغيره بنفسه أو بإضافة ماء طهور إليه أو زوال تغيره بطول مكث أو تأثير الشمس ومرور الرياح عليه أو نحو ذلك لزوال الحكم بزوال علته. وحيث أن المياه المتنجسة يمكن التخلص من نجاستها بعدة وسائل، وحيث أن تنقيتها وتخليصها مما طرأ عليها من النجاسات بواسطة الطرق الفنية الحديثة لأعمال التنقية يعتبر من أحسن وسائل الترشيح والتطهير؛ لذلك فإن المجلس يرى طهارتها بعد تنقيتها التنقية الكاملة بحيث تعود إلى خلقتها الأولى، لا يرى فيها تغير بنجاسة في طعم ولا لون و لا ريح، ويجوز استعمالها في إزالة الأحداث والأخباث وتحصل الطهارة بها منها، كما يجوز شربها إلا إذا كانت هناك أضرار صحية تنشأ عن استعمالها فيمتنع ذلك محافظة على النفس وتفاديا للضرر، لا لنجاستها218.

 

     

        وإن هذا الاجتهاد بشقيه، القديم والحديث، ليدلك على مدى مسايرة الاجتهاد الفقهي لروح العصر، ومدى انشغاله بقضايا الساعة، ومدى حرصه على مبدأ ترشيد استعمال الماء، فأين هذه الروح مما نحن فيه الآن؟، فقد ذكرت بعض التقارير أن 800 ألف متر مكعب من المياه يتم إهدارها في القاهرة الكبرى وحدها، وهو ما يقدر بحوالي 300 ألف جنيه219.

 

31-الأنموذج الثاني: كفاية تقاطر الماء على أعضاء الوضوء دون استلزام تقاطره منها:

 

 

     

          إلحاحا على الاقتصاد في استعمال الماء وترشيد استعماله يقول الفقهاء إن المطلوب في غسل أعضاء الوضوء أن يتقاطر الماء على العضو ولا يلزم أن يتقاطر منه، لذلك أنكر مالك بن أنس قول من قال في الوضوء: حتى يقطر الماء أو يسيل، إذ السيلان غير مطلوب، لأن المقصود هو إيصال الماء إلى البشرة واستيعابها به، وهذا المعنى يتحقق بسيلان الماء وتقاطره على الأعضاء، ولو لم يتقاطر منها220. والحسّ البيئي القائم على مبدأ ترشيد استعمال الماء في هذا الاجتهاد الفقهي أظهر من أن يسطره بنان.

 

      

        إن هذه التوجيهات جديرة باعتمادها لدى نشر ثقافة ترشيد استعمال الماء وثقافة عدم تلويث الماء، اعتباراً لقلة الماء من جهة، ولأثره في حياة الإنسان والمخلوقات كافة من جهة أخرى. وفي ضوء هذه التوجيهات يمكن النظر إلى مختلف الإجراءات الوقائية لضمان الأمن المائي وتجنب العواقب الناتجة عن ندرة الماء أو تلوثه221 وفضلا عن ذلك فإنه يمكن التنظير عليها فيما يتعلق بالموارد البيئية الأخرى لضمان حماية أفضل للبيئة بصفة عامة.

 

إتلاف الموارد البيئية دون مبرر

 

 

32-قطع الأشجار:

 

 

       

        في سياق الحماية التي أضفاها الشارع على الموارد البيئية، حرّم قطع الأشجار بدون مبرر، فقد روى أبو داود في سننه عن عبدالله ابن حبشي قال: قال رسول الله (ص): ( من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار ). وقد سُئل أبو داود عن معنى هذا الحديث فقال: يعني من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم عبثا وظلما بغير حق يكون له فيها، صوب الله رأسه في النار222. والحديث دليل صريح على حرمة قطع الأشجار عبثا، أي بدون مصلحة معتبرة223، لأن دور الأشجار في إمداد البيئة بالأكسجين وتنقيتها والمحافظة على صحتها ونضارتها وجمالها أمر لا ينازع فيه أحد، والرسول (ص) بتوجيهه هذا يسبق العصر في الإشارة إلى هذه المعاني، وفي تقرير الحماية لعناصر البيئة الطبيعية.

 

 

 

 

 

33-قتل الطيور:

 

 

      

         وعلى ذات الشاكلة يحرم الشارع قتل أحد الأحياء البرية بدون مصلحة معتبرة شرعا، ففي مسند الإمام أحمد أن النبي (ص) قال:( من قتل عصفوراً عبثا عج إلى الله عزّ وجل يوم القيامة منه224، يقول: يا رب إن فلاناً قتلني عبثا ولم يقتلني لمنفعة)225 وعن ابن عمر (ض) أن النبي (ص) قال: ( ما من إنسان يقتل عصفورا فما فوقها بغير حقها إلا يسأله الله عنها يوم القيامة، قيل يا رسول الله: وما حقها؟ قال: حقها أن تذبحها فتأكلها، ولا تقطع رأسها فترمي به )226. ودلالة الحديثين على حرمة قتل الطير بدون مصلحة معتبرة أوضح من النص عليها.

 

      

        وخلاصة ما تقدم، أن الشارع يحرم إهدار أو إتلاف إحدى مفردات النظام البيئي عبثا. وإذا كانت الأحاديث التي سقناها تتحدث عن الشجر والطير، فإن الحكم المستفاد منها ينبغي تقريره بالنسبة لكل عناصر النظام البيئي، فيكون إهدار واحد منها أمرا محرما شرعاً.

 

 

34-الإحرام بالنسك تدريب عملي على احترام البيئة:

 

 

      

         من روائع ما دعا إليه القرآن وأكدته السنة النبوية تدريب المسلم إذا أحرم بالنسك على احترام البيئة، ممثلة في عنصري: الحيوان والنبات، فلا يحل للمحرم قتل صيد البر والحرم، ولا قطع نبات الحرم، قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حُرم )227 وقال أيضا: ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما )228؛ وقال (ص) يوم فتح مكة: ( إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة... لا يُعضد شوكه ولا ينفّر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاها. فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر، فإنه لقينهم وبيوتهم، فقال: إلا الإذخر)229 .

 

طبيعة الجزاء الشرعي في جرائم

الاعتداء على البيئة

 

 

 

35- مدلول الجريمة في الشريعة ومنهجها في تصنيف الجرائم:

 

          في تحديدهما لمدلول الجرائم في الشريعة ، اتفق الماوردي وأبو يعلى الفراء على أنها عبارة عن محظورات شرعية زجر الله عنها بحد أو تعزير. وأخذا من ذلك اصطلح علماء الشريعة على تقسيم الجرائم إلى نوعين: جرائم ذات عقوبات مقدرة، وأخرى ذات عقوبات مفوضة. وفرق ما بينهما لا ينحصر في تباين مدلولهما، بل يتعداه إلى منهج الشريعة ذاته، ألا ترى أنها اتبعت بشأن الطائفة الأولى ( الجرائم ذات العقوبات المقدرة ) منهج التحديد العيني للفعل المكون للجريمة وعقوبته، على نحو انتبذت فيه بالسلطة التقديرية للقاضي والإمام مكانا قصيا، وتضم هذه الطائفة نوعين من الجرائم هما: جرائم الحدود، وجرائم القصاص والدية، وفرق ما بينهما راجع إلى طبيعة الحق المعتدى عليه ليس إلا ، فهو في جرائم الحدود حق عام " حق الله تعالى " وذلك كقاعدة عامة. بينما هو في جرائم القصاص والدية حق خاص " حق العبد " ، لكنهما فيما وراء ذلك يلتقيان في فكرة " التقدير " التي تعني الفرض والتحديد الذي ينصرف إلى الفعل المكون للجريمة، وإلى العقوبة المقررة على ارتكابها أيضا.

 

     

         وأما الطائفة الثانية من الجرائم ، أعنى الجرائم ذات العقوبات المفوضة، فإن الشريعة اتبعت بشأنها خطة مركبة، تخلص في التحديد الإجمالي لمجموعة العقوبات التعزيرية التي يمكن توقيعها على مرتكبي هذه الجرائم، مع التحديد العيني والوصفي للجريمة التعزيرية. أما التحديد العيني فيخص طائفة من الأفعال كرهتها الشريعة لذواتها، وهي على درجتين: (1) درجة المعاصي، وتتمثل في إتيان ما حرمته الشريعة من محرمات، أو ترك ما أوجبته من واجبات، سواء أكان فيها الكفارة دون الحد، كما في الحنث في اليمين، والوطء في الحيض، أم لم يكن فيها حد ولا كفارة، كالسرقة غير التامة. (2) درجة المخالفات، وهي دون الأولى، وتتمثل في إتيان المكروه وترك المندوب وفق ما يراه الشافعية والمالكية220.

 

      

        وأما التحديد الوصفي للجريمة التعزيرية فإنه يتعلق بطائفة من الأفعال التي لا تحرم لذواتها، بل لأوصافها، وهذه الأوصاف التي تدخلها في دائرة التجريم التعزيري تتمثل في الإضرار بالمصلحة العامة أو النظام العام231.

 

 

 

36-جرائم الاعتداء على البيئة من قبيل الجرائم التعزيرية:

 

 

     

        وبالبناء على ما تقدم، فإن المخالفات التي يرتكبها الأفراد لتعاليم الشريعة بشأن التعامل مع الموارد البيئية تأخذ صورة من اثنتين: ترك مأمور به أو فعل منهي عنه. فإن ارتقى الأمر والنهي اللذين خالفهما المكلف إلى إفادة الوجوب والحرمة، لعدم وجود قرينة تصرفهما عن إفادة هذا المعنى، فإن المخالفة تدخل في درجة المعاصي التي أشرنا إليها آنفاً – وبالتالي تعد جريمة تعزيرية من درجة معصية. فإن وجدت قرينة تصرف الأمر أو النهي عن إفادة الوجوب أو الحرمة، وبالتالي تجعلها للندب أو الكراهية، فإن الفعل يندرج تحت درجة المخالفة وفق ما يراه الشافعية والمالكية. وهي في الحالين تعطى لولي الأمر الحق في معاقبة الفاعل بعقوبة تعزيرية تناسب المخالف ودرجة مخالفته.

 

 

الخـاتمة

 

 

37-يتبين من هذا العرض ما يأتي:

 

 

1-البيئة هي الكون الذي يعيش فيه الإنسان ويتأثر بمفرداته ويؤثر فيها، بما يضم من مظاهر طبيعية ومقومات مادية، تتيح للإنسان الحصول على مقومات حياته وبقائه. وتوسيع مدلول البيئة على هذا النحو يحقق – فيما نرى- حماية أكثر فعالية؛ لأنه لا يدع عنصرا من عناصر البيئة خارج دائرة الحماية.

 

2-عناصر النظام البيئي هي المقومات الحية وغير الحية التي يمارس الإنسان مختلف نشاطاته في إطارها، ويؤمن كافة متطلباته من خلالها، وهي تتسم بالتنوع والتوازن والتكامل والجمال، فضلا عن كونها كيانات حية. ووعى المكلف بهذه السمات يُعدّ من أعظم الضمانات لتفعيل استجابته لمتطلبات الحماية.

 

3-الإسلام يدعو إلى تعمير البيئة وتنميتها واستصلاحها، وآلياته في هذا الشأن تتراوح بين الدعوة إلى العمل الجاد، والتشجيع على التعمير والتنمية بوسائل متعددة، لعل أبرزها جعل إحياء الأرض الموات سببا لكسب ملكيتها.

 

4-للبيئة في الإسلام حرمة تصونها من العبث والجور والاستنزاف والتلويث، وهي أطر تظاهرت على تقريرها نصوص شرعية صريحة، ومخالفتها تعد من قبيل الجرائم التعزيرية، التي يتمتع ولّى الأمر – بصددها – بسلطة تقديرية في اختيار الجزاء الملائم لحال المجرم والجريمة.

 

تم بحمد الله تعالى

نزوى 27 / 11 / 2005

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحواشي

 

(1)              انظر في هذا التعريف:

          Longman Dictionary of contemporary

          English, 2005, p.218; oxford  Dictionary, p.231

(2)      في هذا المعنى يراجع : محمد غياث الأشرف ، النشاطات البشرية والتنمية والبيئة، مجلة الأمن (تصدرها الإدارة العامة للعلاقات والتوجيه بوزارة الداخلية السعودية) ع 44 ،  شوال 1417هـ ص 98، محمد محمود سليمان وناظم أنيس عيسى، البيئة والتلوث، منشورات جامعة دمشق 99/2000م ص9، د. ماجد راغب الحلو، قانون حماية البيئة  ، منشورات جامعة الإمارات  ، ط ثانية 1997م  ، ص 21، د. محمد عبد البديع ،  اقتصاديات حماية البيئة نشأته ومبرراته  ، مجلة مصر المعاصرة، س 81 يناير- ابريل 1990م، ع 419 و 420، ص 6، د. حسام لطفي، النطاق القانوني لحماية البيئة المصرية  ، المجلة الجنائية القومية ،  يوليو 1996م، ع2، ص 24.

(3)      فقد عرفت الفقرة السادسة من المادة الرابعة من قانون حماية البيئة ومكافحة التلوث العماني رقم 10 لسنة 1982 البيئة بأنها (مجموعة النظم والعوامل والمواد الطبيعية التي يتعامل معها الإنسان سواء في مواقع عمله أو معيشته أو في الأماكن السياحية والترفيهية  ، فيتأثر بها الإنسان أو يؤثر فيها ،  الماء، والتربة، والمواد الغذائية والمعدنية والكيميائية المختلفة، مصادر الطاقة، والعوامل الاجتماعية المختلفة)  . كما عرفتها الفقرة الأولى من المادة الأولى من قانون حماية البيئة الكويتي رقم 62 لسنة 1980 بأنها (المحيط الحيوي الذي يشمل الكائنات الحية من إنسان وحيوان ونبات ،  وكل ما يحيط بها من هواء وماء وتربة ،  بما يحتويه من مواد صلبة أو سائلة أو غازية أو إشعاعات ،  والمنشآت الثابتة والمتحركة التي يقيمها الإنسان) .  وكانت المادة الأولى من مشروع قانون حماية البيئة المصري تعرفها بأنها ( المحيط الحيوي الذي يشمل الكائنات الحية وما يحتويه من مواد وما يحيط به من هواء وماء وتربه وما يقيمه الإنسان من منشآت).

(4)      وهكذا خلت مصادر التراث الإسلامي فيما قبل القرن الثالث الهجري من ذكر هذا المصطلح ،وربما كان أول من استخدمه استخداماً اصطلاحيا للإشارة إلى الوسطين: الطبيعي (الجغرافي والمكاني والإحيائي) والاجتماعي (السياسي والأخلاقي والفكري) المحيطين بالإنسان ،  هو ابن عبد ربه الأندلسي ،  في كتابه "الجمانة". انظر د. محمد منير حجاب ، التلوث وحماية البيئة – قضايا البيئة من منظور إسلامي ،  دار الفجر للنشر والتوزيع – القاهرة 2002م ، وهو يحيل على د. محمد عبدا لقادر الفقي ، البيئة مشاكلها وقضاياها وحمايتها من التلوث – رؤية إسلامية مكتبة ابن سينا – القاهرة 1992م ص9.

(5)      أبو الحسين ، أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، دار إحياء التراث العربي بيروت، ط 1422هـ 2001م ،  باب الباء والواو وما معهما من الثلاثي مادة، مادة (بوأ) ص 141 و 142، الفراهيدي، الخليل بن أحمد  ، كتاب العين، دار إحياء التراث العربي بيروت د:ت ، مادة (بوأ) ص 92 و 93، المعجم الوسيط، وضع مجمع اللغة العربية، المكتبة الإسلامية – تركيا – ط ثانية 1972، ج 1 ص 75 ، 76.

وتطلق كلمة (بوأ) عند ابن منظور على معنيين متقاربين هما الإصلاح أوالتهيئة، والنزول أو الإقامة. وهو يقرر أن البيئة هي الاسم من الفعل (بوأ) وأن البيئة والباءة  والمباءة  تعني: المنزل.

ابن منظور ،  لسان العرب، ط الشعب، مادة (بوأ) ط ص 382.

(6)              سورة آل عمران الآية رقم 162.

(7)              محمد حسن الحمصي، قرآن كريم ، تفسير وبيان مع أسباب النزول للسيوطي، دار الرشيد دمشق د: ت، ص71.

(8)              سورة الأنفال الآية رقم 16.

(9)              محمد حسن الحمصي، المرجع السابق، ص 58.

(10)         سورة البقرة الآية رقم 61.

(11)         سورة البقرة الآية رقم 90.

(12)         سورة آل عمران الآية رقم 112.

(13)         محمد حسن الحمصي، المرجع السابق، ص 58 و 14 و 64 على التوالي.

(14)         سورة الأعراف الآية رقم 74.

(15)    الزمخشري، الكشاف ،  دار الفكر للطباعة والنشر، مصطفى الحلبي، د: ت ، ج 2 ص90، الفخر الرازي، التفسير الكبير، دار إحياء التراث العربي بيروت 1417هـ 1997م ج14 ص 306، الألوسي  ، روح المعاني، دار الكتب العلمية بيروت ط أولى 1415هـ 1994م المجلد الرابع، ص 402، الحمصي المرجع السابق، ص160.

(16)         سورة يونس الآية رقم 93.

(17)    الشيخ محمد رشيد رضا، تفسير المنار 11/390، الزمخشري، الكشاف 2/252، الفخر الرازي التفسير الكبير 14/298، الحمصي المرجع السابق، ص219.

(18)         سورة الحج الآية رقم 26.

(19)    الفخر الرازي، التفسير الكبير 23/219 ،  الألوسي ،  روح المعاني ، المجلد التاسع ص  135، أحمد مصطفى المراغي، تفسير المراغي، دار الكتب العلمية بيروت، ط 1998م المجلد السادس ص 229.

(20)         الحمصي المرجع السابق ص 335.

(21)         سورة الحشر الآية رقم  9.

(22)         الفخر الرازي ،  الكشاف 4/83.

(23)         سورة المائدة الآية رقم 29.

(24)    الحمصي ،  المرجع السابق، ص  ، 112وقال الزمخشري معناه: أن تحتمل إثم قتلي لك لو قتلتك وإثم قتلك لي. الكشاف 1/607.

(25)         سورة آل عمران الآية رقم 121.

(26)         الحمصي ،  المرجع السابق، ص65.

(27)         سورة الزمر الآية رقم 74.

(28)         الزمخشري ، الكشاف 3 /411، الفخر الرازي ،  التفسير الكبير 27/480.

(29)         سورة يوسف الآية رقم 56.

(30)    الحمصي ،  المرجع السابق، ص 242. وانظر في دلالة ذلك على استقرار الملك ليوسف عليه السلام بحيث لا ينازعه منازع: الرازي ،  التفسير الكبير 18/475.

(31)         سورة النحل الآية رقم 41.

(32)         المراغي، تفسير المراغي 5/213.

(33)         سورة العنكبوت الآية 58.

(34)         الزمخشري، الكشاف 3/210.

(35)         سورة يونس الآية رقم 87.

(36)         الفخر الرازي ، التفسير الكبير 17/291.

(37)    ومن هذا القبيل قوله ( r ) ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) رواه مسلم في باب تغليط الكذب على رسول الله ( r ) من المقدمة ، ومعناه  : فلينزل منزله من النار.

(38)    راجع آنفا دلالة لفظ بوأ وما تصرف منه في الآيات الآتية: الأعراف 74، يونس 87 و 93، ويوسف 56، والنحل 41، والحج 26، والعنكبوت 58، والزمر 74، والحشر 9.

(39)         راجع آنفا دلالة لفظ ((تبوئ)) في الآية رقم 121 من سورة آل عمران.

(40)    راجع آنفا دلالة لفظ بوأ وما تصرف منه في الآيات الآتية  61 و 90 من سورة الأعراف،      و 112و 162 من آل عمران  و29 من سورة المائدة.

(41)    قد تكون هذه المساحة صغيرة ،  كما في الآية 74 من سورة الأعراف، حيث يراد بالأرض التي أسكنها قوم صالح " أرض الحجر بين الحجاز والشام" .  وقد تكون هذه المساحة غير محدودة بحدود  ، كما في الآية 74 من سورة الزمر، حيث لا حدود معينة لأرض الجنة التي سينزل بها المتقون.

(42)         هذا العدد يشمل المواضع  التي ورد فيها ذكر الألفاظ الآتية: الأرض، أرض، أرضا، أرضى، أرضهم، أرضكم، أرضنا، فليعلم.

(43)         سورة البقرة الآية رقم 164.

(44)         سورة الرعد الآيتان  3 و 4.

(45)         سورة إبراهيم الآيتان 32 و 33.

(46)         سورة النمل الآيتان 60 و 61,

(47)         سورة يس الآيات من 33 – 40.

(48)         سورة الزخرف الآيات من 10 – 13.

(49)         سورة النبأ الآيات من 6 – 16.

(50)         سورة الأنبياء الآيات من 30 – 33.

(51)         كالبيئة النباتية، والمائية، والحيوانية، والهوائية..... الخ.

(52)         راجع آنفا البندين الثاني والثالث.

(53)    وفي هذا المعنى يقول الشيخ سيد قطب في كتابه: مقومات التصور الإسلامي عن الكون (انه البيئة الكبرى للحياة). وقريب من ذلك، ما يقوله د. محمد سعيد صباريني ، التربية البيئية، الرياض 1990م، ص 33، د.محمد نعيم فرحات، الحماية من التلوث في بعض الأنظمة البيئية العربية، مجلة الأمن ،  ع 16 جمادي الأولى 1419هـ ص 107.

(54)         راجع آنفا البندين الثاني والثالث.

(55)         راجع فيما بعد  خصائص البيئة في الإسلام.

(56)         د.محمد محمود سليمان وناظم أنيس عيسى ،  البيئة والتلوث، ص20.

(57)         د.يوسف بن إبراهيم السلوم ،  البيئة والتنمية، الرياض 1997، ص13.

(58)         سورة هود الآية رقم 6.

(59)         المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي ،  ط قطر د.ت 5/192.

(60)    تحظى قضية صون التنوع البيولوجي بأهمية خاصة في الوقت الحاضر ، ففي تقرير بيئي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لخص هذه القضية جاء فيه : أن حوالي 14 مليون نوعاً من الأنواع الحيوانية والنباتية والكائنات الدقيقة هي المصادر البيئية المتجددة  . ويذكر التقرير أن هناك 5400 نوع حيواني و4000 نوع نباتي أشرفت على الاندثار والانقراض بسبب الأخطار التي تهدد التوازن البيئي .  ولمواجهة هذه المشكلة ناقش مؤتمر قمة الأرض في ريودي جانيرو بالبرازيل سنة 1992م معاهدة التنوع البيولوجي موجها إلى أهمية هذا التنوع في توفير مقومات الاستمرار في التنمية الزراعية والصناعية، راجع د.عبدالراضى حسن المراغي، حماية الحياة البرية من منظور إسلامي، مجلة الأزهر، س (73) ديسمبر2000ج9 ص1373 – 1375.

(61)         رواه أبو داود في كتاب الصيد، باب في اتخاذ الكلب للصيد وغيره رقم 2845.

(62)         معالم السنة 4/132.

(63)         سورة الأعراف الآية رقم 58.

(64)         سورة فاطر الآية رقم 27.

(65)         سورة النور الآية رقم 45.

(66)         سورة الرعد الآية رقم 4.

(67)         سورة الأنعام الآية رقم 141.

(68)         سورة الأنعام الآية رقم 99.

(69)         سورة الزخرف الآية رقم 11.

(70)         سورة المؤمنون الآية رقم 18.

(71)         زاد المسير 4/392، تفسير القرطبي 10/14-15.

(72)         سورة النور الآية رقم 43.

(73)         سورة الأعراف الآية رقم 57.

(74)         سورة فاطر الآية رقم 9.

(75)         سورة السجدة الآية رقم 27.

(76)         د.زين الدين عبد المقصود، المحافظة على موارد المياه، ص7.

(77)         سورة الأنبياء الآية رقم 30.

(78)         تبلغ نسبة المسطحات المائية على الأرض نحو 70.8% واليابسة نحو 29.2%.

(79)         سورة الجن الآية رقم 16.

(80)         سورة الواقعة الآيات من 68 – 70.

(81)         رواه الطبراني في الأوسط ورواته ثقات انظر: الترغيب والترهيب المنذري ط المنيرية ج1 ص27.

(82)    رواه ابن ماجة والبزار والبيهقي واللفظ له من حديث ابن عمر ،  ورواه الحاكم وصححه: انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة ،  للألباني ،  رقم 105.

(83)         سورة القمر الآيتان  11 و 12.

(84)         التفسير الكبير 2/338.

(85)         سورة الحجر الآية رقم 19.

(86)    التفسير الكبير 19/131 و 132، زاد المسير 4/391، معاني القرآن ،  لأبي جعفر النحاس ،بتحقيق الشيخ محمد علي الصابوني ، السعودية، 1989ج4 ص17 – 18.

(87)         تفسير المراغي 5/154.

(88)         سورة القمر الآية رقم 29.

(89)         سورة الفرقان الآية الثانية.

(90)         سورة الرعد الآية رقم 8.

(91)         سورة الطلاق الآية رقم 3.

(92)         سورة البقرة الآية رقم 164.

(93)         سورة السجدة الآية رقم 7.

(94)         سورة المؤمنون الآية رقم 14.

(95)         سورة النحل الآية رقم 6.

(96)         سورة النحل الآية رقم 8.

(97)         سورة ق الآية رقم 7.

(98)         سورة الأنعام الآية رقم 99.

(99)         سورة الكهف الآية رقم 7.

(100)    سورة الدخان الآية رقم 29.

(101)    سورة الأحزاب الآية رقم 72.

(102)    سورة البقرة الآية رقم 74.

(103)  أخرجه مسلم عن أبي حميد في كتاب الحج باب أحد جبل يحبنا ونحبه، رقم 3371، وفي كتاب الفضائل باب معجزات النبي ( r ) رقم 4948.

(104)    سورة هود الآية رقم 44.

(105)    سورة الأنبياء الآية رقم 69.

(106)    أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل طلحة والزبير رقم 6247.

(107)    أخرجه مسلم في الكتاب والباب السابق ، رقم 6248.

(108)    سورة مريم الآية رقم 90.

(109)    سورة النمل الآيتان 24 و 25.

(110)    سورة الرعد الآية رقم 13.

(111)    سورة الإسراء الآية رقم 44.

(112)    سورة سبأ الآية رقم 10.

(113)     سورة الأنبياء الآية رقم 79.

(114)    سورة الحج الآية رقم 18.

(115)    انظر في تحليل هذه الدلالات: الشيخ سيد قطب، الظلال 15/2230.

     (116)   سورة فصلت رقم 9 و 10

     ( 117)   سورة الأعراف رقم 10

    ( 118)   سورة غافر رقم 64

    ( 119)   سورة الملك رقم 15

    (120)   سورة الجمعة رقم 10

    ( 121 )  د. يوسف القرضاوي، مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام  ، مؤسسة الرسالة        

                سورية 1991م ص 42

   ( 122 )   سورة المزمل رقم 2

   ( 123 )   رواه سعيد بن منصور في سننه، نقلا عن د. يوسف القرضاوي، المرجع السابق

                ، ص 42

   ( 124 )   سورة الملك رقم 15

   ( 125 )  أخرجه أحمد عن أنس بن مالك ، المسند 3/191

   ( 126 )  سورة هود رقم 61

   ( 127 )  هذا ما نقله أبو حيان الأندلسي عن زيد بن أسلم في المقصود بهذه العبارة. أنظر:

               البحر المحيط في التفسير، دار الفكر بيروت 1992، ج6 ص 175.

  ( 128 )   راجع: زاد المسير في علم التفسير 4/123، تيسير التفسير، للقطب محمد بن

                 يوسف أطفيش، عمان 1993م، ج5 ص 453، تفسير القرطبي دار إحياء     

               التراث العربي بيروت 1995 ج9 ص 56-57، تفسير أبو السعود، دار إحياء

                  التراث العربي بيروت، ج4 ص 220-221، التفسير الكبير للرازي 18/367

   ( 129 )   أخرجه مالك في الموطأ – كتاب الأقضية – باب القضاء في عمارة الموات ،

                الحديث رقم 26، وأبو داود في كتاب الخراج والإمارة –باب إحياء الموات رقم

                 3073.

   ( 130 )    نيل الأوطار للشوكاني دار الجيل بيروت د ت ج5 ص 340

   ( 131 )   المغنى لا بن قدامه، ط هجر – القاهرة 1989م ج5 ص 562

   ( 132 )  عمدة القاري 12/173 – 174، وقرب ذلك: مغنى المحتاج ط الحلبي – القاهرة

                 ج2 ص 367

   ( 133 )   عمدة القاري، المرجع والموضع السابق.

   ( 134 )    نفسه

   ( 135 )   الموسوعة الإسلامية العامة ( وزارة الأوقاف المصرية – القاهرة 2001م ) ،

                إحياء الموات، ص 72-74؛ عمدة القاري 12/ 173-174

  ( 136 )   الخراج لأبي يوسف عن ليث عن طاووس، وانظر: د. صبحي الصالح، معالم

               الشريعة ، دار العلم  بيروت 1975، ص 323

                ويلاحظ أن عمر بن الخطاب – تطبيقا لهذا الحكم – همّ أن يسترد الأرض التي        

               أقطعها النبي (ص) ناسا من مزينة أو جهينة فعطلوها وجاء آخرون فأحيوها،لكنه

               تراجع قائلا: لو كانت قطيعة مني أو من أبي بكر لرددتها، ولكن من رسول الله

               (ص). وقال عند ذلك:  من عطل أرضا ثلاث سنين لم يعمر فجاء غيره فعمرها فهي

                 له ". وفي لفظ " حتى يمضي ثلاث سنين فأحياها غيره فهو أحق بها". انظر

                عمدة القاري 12/174

 (137 )    الترغيب والترهيب للمنذري 3/376

 ( 138 )   الترغيب والترهيب للمنذري 3/377

 ( 139 )   الترغيب والترهيب للمنذري 3/375

 ( 140 )    سنن أبي داود – كتاب الجهاد – باب ما يؤمر به من القيام على الدواب

               والبهائم – ج3 ص 23 رقم 2548

( 141 )    سنن أبي داود ، الكتاب والباب السابق، رقم 2549

( 142 )    سنن أبي داود، كتاب الأدب – باب في قتل الذر – ج4 ص 367 رقم 5268

              ويندرج في النهي عن ترويع الحيوانات النهي عن ترويعه عند ذبحه, فعن                 

             ابن عباس أن رجلا أضجع شاة وهو يحدّ شفرته، فقال النبي (ص): أتريد أن تميتها      

              موتتين"؟ " هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها". أخرجه الطبراني في الكبير   

              والأوسط والحاكم واللفظ له وقال صحيح على شرط البخاري. الترغيب

             والترهيب 3/204 رقم 15

( 143 )    مسند أحمد 3/191

( 144 )   الترغيب والترهيب 3/205

( 145 )   سنن أبي داود  - كتاب الجهاد – باب النهي عن الوسم في الوجه والضرب في

             الوجه – ج3 ص 26 – 27 رقم 2564

( 146 )   أخرجه البخاري في باب فضل سقي الماء كتاب المساقاة – انظر: عمدة

              القاري 12/209

( 147 )   أخرجه البخاري – كتاب المساقاة – باب فضل سقي الماء. عمدة القاري 12/206

( 148 )   التعريفات للجرحاني دار الكتاب العربي بيروت 1405هـ. ج1 ص214،

              مختار الصحاح مادة "فسد".

( 149 )   أشار البعض إلى أنه لا ينبغي أن يقال إن الفساد ضد الصلاح، لأن الضدّين وإن

               كانا لا يجتمعان في شيء واحد، إلا أنهما قد يرتفعان عنه، بخلاف النقيضين فإنهما

               لا يجتمعان  في الشيء الواحد ولا يرتفعان عنه ، ومن ثم فإنه لا يمكن أن

               يكون الشيء فاسدا وصالحا في آن ، ولا يمكن أن يخلو من الاتصاف بأحدهما

               في آن، بل لا بد أن يكون إما على صفة الصلاح وإما على صفة الفساد، ومن

               ثم فالصلاح نقيض الفساد لا ضده. انظر :

              د. محمد السيد الجليند، الفساد، الموسوعة الإسلامية العامة، وزارة

              الأوقاف المصرية القاهرة 1422   هـ / 2001م ص 1080

( 150 )     الشعراء الآيتان 151و 152

( 151 )     الأعراف الآية رقم 85

( 152 )    النمل الآية رقم 48

( 153 )    البقرة الآيتان 11 و 12

( 154 )    الأعراف الآية رقم 56

( 155 )    الروم الآية رقم 41

( 156 )    بتصرف قليل عن : ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج10 ص 110 – 112.

               وقرب: تفسير البيضاوي، دار الكتب العلمية بيروت 1420هـ 1999م ج2

               ص 222 ، زاد المسير، ج6 ص 305، تفسير المراغي 7/ 283- 284،

               تفسير القرطبي 14 / 40-41

( 157 )   عباس الجراري، قضايا للتأمل برؤية إسلامية ، الرباط - المغرب 1421هـ 2000م   

               ص 211

( 158 )     سورة العنكبوت الآيات من 28-30

( 159 )     سورة يوسف الآية رقم 73

( 160 )     سورة يونس الآية رقم 81

( 161 )     سورة الأعراف الآية رقم 56

( 162 )    التحرير والتنوير لابن عاشور 10/110-112

( 163 )     تفسير المراغي 3/323

( 164 )    تفسير القرطبي 7/248

( 165 )     سورة البقرة الايتان 204- 205

( 166 )    نزول الآيتين في الأخنس بن شريق اخرجه ابن جرير عن السدي, انظر:

               أسباب النزول للسيوطي ، مع تفسير وبيان مفردات القرآن الكريم د. محمد

                حسن الحمصي ص 66- 68، تفسير الجلالين دار الحديث بالقاهرة ط  أولى

                د : ت ج1 ص 43 . وقيل نزلت في رجلين من المنافقين .انظر أسباب

               النزول للسيوطي 65-66، تفسير ابن كثير دار الفكر بيروت 1401هـ ج1

               ص 247

( 167 )    سورة القمر رقم 49

( 168 )    سورة الفرقان رقم 2

( 169 )     سورة الملك رقم 15

( 170 )     سورة الجمعة رقم 10

( 171 )    سورة الأعراف رقم 54

( 172 )    تفسير القرطبي 7 / 226 - 227

( 173 )    سورة الأعراف رقم 85

( 174 )    تفسير القرطبي 7/248

( 175 )    سورة الأعراف رقم 74

( 176 )    سورة الشعراء الآيات من 146- 152

( 177 )   يقول المفسرون أن ذلك كان في التيه، قاله ابن عباس ومجاهد وابن زيد

               والسدّي. انظر: تفسير القرطبي 1/307

( 178 )     سورة البقرة رقم 60

( 179 )    تفسير الطبري 1/ 308، التبيان في غريب القرآن – أحمد بن محمد

              المصري، بتحقيق د. فتحي أنور الدابولي، دار الصحابة للتراث بطنطا 1992م ،

               ج1 ص 88

( 180 )     تراجع الآية رقم 104 من سورة آل عمران على سبيل المثال

( 181 )     سورة هود رقم 116

( 182 )     د. نصر فريد واصل، المدخل الوسيط لدراسة الشريعة الإسلامية ، مطبعة

               النصر- القاهرة 1400هـ 1980م ص 202 وما بعدها.

( 183 )     سورة الشورى رقم 40

( 184 )     تبصرة الحكام لابن فرحون 2/358 و 362، حاشية ابن عابدين 7/492

( 185 )    حاشية ابن عابدين الموضع السابق، تبصرة الحكام 2/369

( 186 )    معالم القربة في أحكام الحسبة للقرشي المعروف بابن الاخوة بتحقيق روبن

               ليوى، مكتبة المدني د:ـ ص 91، نهاية الرتبة في طلب الحسبة، عبدالرحمن

               ابن نصر الشيزري، بتحقيق السيد الباز العريني، بيروت 1981 ص 22

( 187 )   أخرجه مسلم في باب النهي عن البول في الماء الراكد من كتاب الطهارة،

               وأخرجه البخاري في الأدب المفرد من كتاب الوضوء.

( 188 )   الترغيب والترهيب للمنذري 1/136

( 189 )   الترغيب والترهيب للمنذري 1/ 117

( 190 )    الترغيب والترهيب للمنذري الموضع السابق.

( 191 )    لطلب الكف عن الفعل صيغ متعددة منها: (أ) الصيغة الطلبية وهي المضارع

               المسبوق بلا الناهية، وفعل الأمر الدال على طلب الكف. (ب) لفظ ينهي أو حرّم أو

               لا يحل أو لا يرضي أو لا يجوز. (جـ) ذكر الفعل المطلوب تركه مقرونا بوعيد

              أو باستحقاق الإثم أو نفي البر عنه أو وصفه بأنه شرا أو نفي الفعل ذاته،

              لأن المعدوم شرعا كالمعدوم حساً.

( 192 )   الترغيب والترهيب للمنذري 1/134

( 193 )    رواه أبو داود في باب إماطة الأذى عن الطريق من كتاب الأدب. سنن أبي

               داود 4/362 رقم 5245

( 194 )   الترغيب والترهيب للمنذري 1/117

( 195 )   سبق تخريج الحديث  وذكر قول الخطابي فارجع إلى ما قدمناه عن سمة التنوع.

( 196 )   أخرجه أبو داود في باب قتل الذر من كتاب الأدب، انظر: سنن أبي داود 4/367

              رقم 5266

( 197 )   أخرجه ابن ماجة في كتاب الأحكام ، باب إذا تشاجروا في قدر الطريق، ج2

               ص 784

( 198 )    أخرجه البخاري في كتاب المظالم باب إذا اختلفوا في الطريق. انظر البخاري مع

               فتح الباري 5/89

( 199 )     فتح الباري 5/89 - 90

( 200 )    أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، دار إحياء الكتب العربية

               بالقاهرة 1368هـ ، ج3 ص 153

( 201 )    قال تعالى: ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا  فلا يسرف في

               القتل.. ) الإسراء 33

( 202 )     قال (ص) لسعد بن أبي وقاص عندما أراد الإيصاء بجميع ماله ( لا الثلث ،                 

               والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس .. )     

              أخرجه مسلم في باب الوصية بالثلث من كتاب الوصية الحديث رقم 4209

( 203 )   قال (ص) للرهط الذين جاءوا يسألون عن عبادته ( ... لكني أصلي وأنام

              وأصوم وأفطر وأتزوج النساء... )  أخرجه مسلم في صحيحه عن أنس في

              باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه - كتاب النكاح ، الحديث رقم 3403

( 204 )   الأعراف 31

( 205 )   الفرقان 67، ومن ذلك قوله تعالى: ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها

               كل البسط فتقعد ملوما محسورا ) الإسراء 29

( 206 )   المستدرك للحاكم بتحقيق مصطفى عبد القادر عطا دار الكتب العلمية بيروت

              د:ت كتاب الأطعمة رقم 7139 ج 4 ص 135

( 207 )   أخرجه ابن ماجة في باب ما جاء في القصد في الوضوء وكراهية التعدي فيه

              من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجة 1/ 147 رقم 425

( 208 )   وقد جعلها ابن ماجة عناوين لثلاثة أبواب في كتاب الطهارة. الأحاديث

              من 135 – 138 ج1 ص 33- 34

( 209 )    صحح البخاري – كتاب الوضوء –رقم 126

( 210 )    أخرجه البخاري في كتاب الوضوء رقم 127

( 211 )    والكراهة خاصَّةٌ بما إذا كان الماء مملوكا أو مباحا، فأما إن كان موقوفا على

               من يتطهر به، كماء المدارس الذي يكون في الصهاريج والأحواض ، فإن

              الزيادة على  الثلاث في غسل أعضاء الوضوء تكون حراما انظر: حاشية

               ابن عابدين 1/93-94، حاشية الدسوقي 1/103، نهاية المحتاج للرملي

             1/172-173، المغنى لابن قدامه 1/131، المحلي لابن حزم 2/72، شرح

               الأزهار 1/91-92، نيل الأوطار 1/173، شرح النيل 1/51-52

( 212 )   أخرجه أبو داود في باب ما يجزئ من الماء في الوضوء من كتاب الطهارة.

              سنن أبي داود 1/23 رقم 93

( 213 )   أخرجه البخاري في الأدب المفرد- كتاب الوضوء.

( 214 )   أخرجه البخاري في الأدب المفرد – كتاب الغسل. والفَرَقُ: ثلاثة آصع،

              والصاع يساوي 2.75 لتراً.

( 215 )    أخرجه مسلم في باب جواز الصلوات كلها بوضوء واحد في كتاب الطهارة،

               الحديث رقم 642

( 216 )   أخرجه مسلم في باب حكم المني من كتاب الطهارة الحديث رقم 668

( 217 )   راجع  المسالة في: بدائع الصنائع للكاساني 1/ 74 وما بعدها، تبيين الحقائق

               للزيلعي 1/26 وما بعدها، بلغة السالك للصاوي 1/31 وما بعدها، الشرح الكبير    

              للدردير هامش حاشية الدسوقي 1/46 وما بعدها، بداية المجتهد لإبن رشد 1/28

               وما بعدها، المجموع شرح المهذب للنووي 1/119 وما بعدها، والمغنى لابن

               قدامة 1/34 وما بعدها

( 218 )    بتصرف يسير عن قرار هيئة كبار العلماء بالسعودية رقم 64 في

              25 / 10 / 1398هـ. راجعه في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة –( س1)

              العدد الثاني ص 173، وراجع في العدد ذاته قرار مجلس المجمع الفقهي

                لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في\

               الفترة من 13 رجب 1409هـ إلى 20 رجب 1409هـ وراجع البحث الذي

              أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بعنوان ( حكم استعمال 

              المياه المتنجسة بعد استحالتها وزوال أعراض النجاسة عنها ) ص 152

( 219 )    راجع في تفصيلات ذلك د. صلاح الشيخ ، الاستحالة وأثرها في تطهير النجاسات

               في الفقه الإسلامي ط 2001 م ص 125 وما بعدها

( 220 )     مواهب الجليل للحطاب ، مطبعة السعادة بمصر 1328هـ، ج1 ص 256

( 221 )    عباس الجراري، قضايا للتأمل ، ص 204

( 222 )    سنن أبي داود ،باب في قطع السدر، من كتاب الأدب ج4 ص 361 رقم 5239

( 223 )     فأما إن كان القطع لمصلحة مثل إنكاء العدو ونحوه فلا بأس به . انظر: عمدة

              القاري شرح صحيح البخاري للعيني، إدارة الطباعة المنيرية بيروت 12/ 162

( 224 )    ي شكا بصوت مرتفع

( 225 )    مسند الإمام أحمد 4 / 389

( 226 )    الترغيب والتذهيب للمنذري 3/204 رقم 16

( 227 )    المائدة رقم 95

( 228 )    المائدة رقم 96

( 229 )    أخرجه البخاري عن ابن عباس في باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها –

               من كتاب الحج، الحديث رقم 3302 ص 452 ويلاحظ أن حظر قتل صيد البر

               لا يشمل الخمس الفواسق وهن: العقرب والفأرة والحدأة والغراب والكلب العقور،

                كما جاء في حديث عائشة . البخاري باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب

               في الحل والحرم – من كتاب الحج.

( 230 )    مواهب الجليل 6 / 320 ، تحفة المحتاج 8/18

( 231 )    راجع تفصيلات ذلك في كتابنا: تطوير القانون الجنائي وفقا لأحكام

              الشريعة الإسلامية، دار النهضة الغربية بالقاهرة 2000م ، ص 107 وما بعدها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المراجع

-       أحمد الدردير ، الشرح الكبير ، دار الفكر بيروت  د : ت .

-       أحمد بن فارس بن زكريا ، أبو الحسين ، معجم مقاييس اللغة ، دار إحياء التراث العربي  بيروت  1422 ه .

-       أحمد بن علي  ، ابن حجر العسقلاني ، فتح الباري شرح صحيح البخاري ، دار المعرفة بيروت 1379 ه

-       أحمد بن محمد ، التبيان في تفسير غريب القرآن ، بتحقيق فتحي أنور الدابولي ، دار الصحابة للتراث  طنطا 1992م

-       أحمد مصطفى ،المراغي ، تفسير المراغي ، دار الكتب العلمية  بيروت  1998م

-       إسماعيل بن كثير ، تفسير ابن كثير ، دار الفكر بيروت 1401 ه

-       الخليل بن أحمد ، الفراهيدي، كتاب العين، دار إحياء التراث العربي، د : ت

-       سليمان بن الأشعث ، أبو داوود السجستاني ، سنن أبي داوود ، دار الفكر د : ت

-       سيد قطب ، في ظلال القرآن ، ط الشعب القاهرة د : ت

-       صبحي الصالح ، معالم الشريعة الإسلامية ، دار العلم بيروت 1975 م

-       عباس الجراري ، قضايا للتأمل برؤية إسلامية ، المغرب 1421 ه

-       عبد الراضي حسن ، المراغي ، حماية الحياة البرية من منظور إسلامي ، مقال منشور في مجلة الأزهر ، س 73 ديسمبر 2000

-       عبد الرحمن بن علي بن محمد ، ابن الجوزي، زاد المسير في علم التفسير ، المكتب الإسلامي بيروت 1404 ه

-       عبد الرحمن بن نصر  ، الشيزري ، نهاية الرتبة في طلب الحسبة ، بتحقيق السيد الباز العريني ، بيروت 1981م

-       عبد الله بن أحمد ،  ابن قدامة المقدسي ، المغني على مختصر الخرقي ، ط هجر  القاهرة 1989 م

-       علي بن سعيد ، ابن حزم ، المحلى ، دار الآفاق الجديدة بيروت

-       مالك بن أنس ، أبو عبد الله الأصبحي ، الموطأ ،دار إحياء التراث العربي  مصر د : ت

-       محمد بن أحمد بن أبي بكر ، القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن ( تفسير القرطبي ) ، دار إحياء التراث العربي  بيروت 1995

-       محمد بن أحمد ، المحلي  ، وعبد الرحمن بن أبي بكر ، السيوطي ، تفسير الجلالين ، دار الحديث القاهرة د : ت

-       محمد بن أحمد بن محمد ، ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد ، دار الفكر بيروت د : ت

-       محمد بن إسماعيل، البخاري ، صحيح البخاري ، دار ابن كثير اليمامة بيروت  1407 ه

-       محمد أمين ، ابن عابدين ، حاشية رد المحتار على الدر المختار ( حاشية ابن عابدين )، دار الفكر بيروت 1986 م

-       محمد بن عبد الله ، الحاكم ، المستدرك على الصحيحين ، دار الكتب العلمية  بيروت د : ت

-       محمد بن جرير بن يزيد ، الطبري، تفسير الطبري ، دار الفكر  بيروت  1405 ه

-       محمد الخطيب ، الشربيني ، مغني المحتاج ،الحلبي 1958 م

-       محمد بن عبد الرحمن المغربي ، الحطاب ، مواهب الجليل ، مطبعة السعادة  مصر  1328 ه

-       محمد بن عرفة، ابن عرفة الدسوقي ، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، دار الفكر بيروت د : ت

-       محمد بن علي بن محمد ، الشوكاني ، نيل الأوطار ،دار الجيل بيروت د : ت

-       محمد بن محمد العمادي ، أبو السعود ، إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم ( تفسير أبو السعود ) ، دار إحياء التراث العربي  بيروت  د : ت

-       محمد بن يزيد ، ابن ماجة ، سنن ابن ماجة ، دار الفكر بيروت

-       محمد بن يوسف ، اطفيش ، تيسير التفسير ، عمان  1993 م

-       محمود  أبو الفضل ، الألوسي ، روح المعاني ، دار الكتب العلمية بيروت 1415 ه

-       مسلم بن الحجاج ،أبو الحسين القشيري ، صحيح مسلم ، دار إحياء التراث العربي بيروت

-       يوسف القرضاوي ، مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام ، مؤسسة الرسالة  سورية 1991 م

 

 

 

 

 



 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 



 
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المهارات اللازمة لطرح الأسئلة الصفية

مقياس مقترح لقياس مهارات التواصل

المفهوم الحديث للمنهج