البعد
البيئي في خطط التنمية الاقتصادية
اعداد
الاستاذ/ معاوية أحمد حسين
جامعة
ظفار/ كلية التجارة والعلوم الادارية
E-mail: m_hussein@du.edu.om
ملخص الدراسة :
لقد أدى إدخال البعد
البيئي في مجال الاقتصاد إلى تغيير مفهوم التنمية الاقتصادية من مجرد زيادة استغلال
الموارد الاقتصادية النادرة لإشباع الحاجات الإنسانية المتعددة والمتجددة إلى
مفهوم "التنمية المتواصلة أو التنمية المستدامة " حيث تعرف التنمية
المستدامة أو المتواصلة بأنها: نوع من أنواع التنمية تفي باحتياجات الحاضر دون
الجور على قدرة الأجيال القادمة في تحقيق متطلباتهم، و ترمي التنمية المتواصلة SUSTANABLE
DEVELOPMENT الى تحقيق
التوازن بين التفاعلات والتغيرات للعلاقات المتبادلة والتي تشمل الانسان
بامكانياته وثقافته وطموحاته وحضارته وعناصر المكان الطبيعية والبيئية ودور
الانسان في استغلالها أو تعديلها او تنميتها، والتنمية المتواصلة تفي بضروريات
الحاضر للمجتمع دون الاخلال بالموارد والامكانيات الطبيعية والمتوارثة مع مراعاة
الرؤية المستقبلية وتحقيق تطلعات الاجيال القادمة.
فالتنمية المتواصلة لا تمنع استغلال الموارد الاقتصادية مثل: المياه والنفط
والغابات، ولكنها تمنع الاستغلال الجائر لهذه الموارد بالدرجة التي تؤثر على نصيب
الأجيال القادمة من هذه الموارد، وخاصة إذا كانت موارد قابلة للنضوب أو غير متجددة
كالنفط مثلاً.
في نفس الوقت تمنع التنمية المتواصلة تحميل الأجيال القادمة أعباء إصلاح البيئة التي تلوثها الأجيال الحالية. وأصبح هناك تفرقة في نظريات التنمية الاقتصادية بين التنمية التي تراعي الجوانب البيئية وتعرف بالتنمية الخضراء أو المتواصلة أو المستدامة وبين التنمية الاقتصادية البحتة التي لا تراعي البعد البيئي والتي أصبحت محل انتقاد من كافة الأوساط والمؤسسات الاقتصادية العالمية
في نفس الوقت تمنع التنمية المتواصلة تحميل الأجيال القادمة أعباء إصلاح البيئة التي تلوثها الأجيال الحالية. وأصبح هناك تفرقة في نظريات التنمية الاقتصادية بين التنمية التي تراعي الجوانب البيئية وتعرف بالتنمية الخضراء أو المتواصلة أو المستدامة وبين التنمية الاقتصادية البحتة التي لا تراعي البعد البيئي والتي أصبحت محل انتقاد من كافة الأوساط والمؤسسات الاقتصادية العالمية
تهدف هذه الدراسة الى شرح أبعاد التنمية المستدامة بمعناها الواسع, والذي
يجمع بين التنمية الاقتصادية في ظل حماية للبيئة و عدالة في التوزيع, وتركز على
الدور المهم الذي يمكن أن تلعبه الاستراتيجيات والخطط والسياسات الانمائية على
المستوى القطري وتدعو لدمج السياسات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية بما في ذلك
اعطاء المجال لمشاركة عناصر المجتمع على اختلاف مشاربهم في صنع القرار, كما تهدف
الدراسة ايضا الى تقييم البعد البيئي في الخطط الخمسية لسلطنة عمان.
النتائج التي توصل اليها البحث أن خطط التنمية الاقتصادية لم تلتزم بادخال
البعد البيئي في التخطيط بالرغم من مناداة المؤتمرات الدولية المتعددة بالحفاظ على
البيئة ومبادرات الدول بانها ستلتزم بتطبيق توصيات هذه المؤتمرات الشيئ الذي ادى
تدمير البيئة وعدم الحفاظ على سلامة النظم البيئية الطبيعية وعدم صون التنوع الاحيائي.
ABSTRACT
Throughout the world, there is a commitment by Governments to
sustainable development, yet economic development continues to degrade the
natural resources and pollute the environment in both urban and rural areas.
Current thinking about sustainable development suggests that planners and
development specialists should attempt to integrate social, economic, and
environmental dimensions, at all planning levels. Integrated environmental and
economic planning that considers both regional economic development and the
environmental impacts of such development has rarely been used by governments
to plan regional growth largely because of the absence of a methodology that
would allow future environmental impacts of proposed development plans to be quantified
in monetary terms and used by Economists in their overall cost-benefit analysis
of projects/sectors targeted for investment.
This paper examines the environmental dimensions in
development plans undertaken by governments, specially in Arab countries and,
evaluate one of the fifth year plans in Oman against the Millennium goal of
sustainable development.
The study found that
all governments often have common failings in including the environmental
dimensions in development plans. To improve the integration planning approach,
building on the common success factors and improving on the common weaknesses
is proposed. An improved integrating planning approach at all levels may be
pivotal in contributing to sustainable development.
مقدمة :
نظراً لتزايد عدد السكان
الكبير، ونتيجة لتطور قدرات الفرد على إحداث تغيير واسع وشامل في الطبيعة بمساعدة
الآليات الجبارة التي يديرها ويسيطر عليها، بدأت عناصر الطبيعة الأساسية (الماء،
الهواء، والأرض) في التعرض للدمار والاستنزاف والتلف، وأخذت قدرتها على الاستمرار
في العطاء تقل تدريجياً، بل إنها فقدت القدرة على التجديد أو إعادة بناء نفسها
مجدداً . وقد أدى التدهور في الوضع البيئي على المستوى العالمي ممثلا
بالتسخين الحراري للجو وفقدان طبقة الأوزون ونقص المساحات الخضراء والأمطار
الحمضية وفقدان التنوع البيولوجي واتساع نطاق التصحر وما إلى ذلك من مشاكل بيئية
تتعدى الحدود الجغرافية للدول, إلى الدعوة لدمج البعد البيئي في التخطيط الإنمائي
لدول العالم. وعلى اثر ذلك، تنبه علماء العالم الى هذا الخطر المحدق بالبيئة
وعناصرها، فسارعوا الى عقد المؤتمرات وإقرار التوصيات التي تحمي البيئة وتصون
عناصر الطبيعة، فكان مؤتمر (استوكهولم) عام 1972 ـ حول البيئة البشرية ـ الذي خرج
بتوصيات وقرارات تهدف الى حماية البيئة والمحافظة عليها .
وفي منتصف
السبعينات بادر الاتحاد الدولي لصون الطبيعة والموارد الطبيعية (IUCN) إلى إجراء دراسة شاملة لتحديد حجم مشكلة تلوث البيئة وهدر مواردها الطبيعية
وذلك بالتعاون مع مؤسسات دولية معنية بشؤون المحافظة على البيئة مثل : منظمة
الاغذية والزراعة الدولية، واليونسكو، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة. وجند لهذه
الدراسة آلاف العلماء من معظم أنحاء العالم عملوا لمدة أربع سنوات، وخرجوا بعد جهد
منظم بإعلان يوم الخميس الموافق 6/3/1980 ، يوم الاستراتيجية العالمية للمحافظة
على البيئة. وتم تبني هذا الإعلان في أكثر من ثلاثين دولة من دول العالم من بينها
دول عربية كالاردن .
لقد أوصى إعلان الاستراتيجية العالمية
أن تقوم كل دولة بإعداد استراتيجية وطنية لحماية البيئة خاصة بها تتناسب مع
مشاكلها وظروفها معتمدة في ذلك على ما جاءت به الاستراتيجية العالمية كإطار عام .
وتوالت بعد ذلك المؤتمرات المنادية بالحفاظ على البيئة وعقدت الأمم المتحدة مؤتمرا
حول البيئة والتنمية (مؤتمر الأرض) في ريو دي جانيرو بالبرازيل سنة 1992. من
الأهداف الرئيسية للمؤتمر الدعوة إلى دمج الاهتمامات الاقتصادية والبيئية
والاجتماعية على المستوى الدولي. وقد كانت أحد أهم المسائل الرئيسية التي تطرق لها
المؤتمر هي وضع وتنفيذ استراتيجيات وإجراءات لتحقيق التنمية المستدامة. وجاء بعد ذلك مؤتمر
القمة العالمية للتنمية المستدامة أو قمة الأرض في جوهانسبرج (26 أغسطس - 4 سبتمبر
2002) والذي أحدث نقلة كبيرة في علاقة البيئة بالتنمية كما اكد على تنفيذ أهداف
الالفية الانمائية. كل ذلك يؤكد على أن المجتمع الدولي يعيش في مطلع القرن الحالي
منعطفا تاريخيا وذلك بتواجد مجموعة كبيرة من التغيرات التي تراكمت فعالياتها
وتأثيراتها على المستوى الدولي والقطري لتحدث تحولا في المسار التاريخي للنظام
العالمي حيث يمكننا الحديث عن صفحة جديدة تتسم بتركيبة جديدة للعلاقات الدولية
وتتميز بنزعة نحو العالمية والشمولية بعد أن أصبحت استمرارية الحياة البشرية مهددة
ومن ثم أصبح موضوع البيئة محل اهتمام كبير. فمن المعروف بأن التشخيص العلمي
للتدهور البيئي قد أدى إلى جدل فكري حول الأسباب الجوهرية الكامنة وراء هذا
التدهور الخطير والذي يربط بين الانتهاكات البيئية ونمط مسيرة التنمية العالمية حيث
ان أي نمط معين من الاستغلال للموارد الطبيعية يتسبب في الرفاهية أو بالمقابل
بالفقر أو بالحالتين معا تؤدي إلى تدهور الوضع البيئي. فمن المعلوم ان الرفاهية
والرخاء يؤديان إلى التبذير والإسراف في الاستغلال المتواصل للموارد الطبيعية من
ناحية، وبالمقابل فإن حالة الفقر مع تلازمها مع المعدلات العالية في النمو السكاني
أيضا ستؤدي إلى استغلال متواصل ومفرط للموارد الطبيعية والتي أصلا تكون محدودة وفي
أحيان كثيرة غير قابلة للتجديد.
ان أي نظام اقتصادي ينتمي إلى نظام بيئي
هو النظام الكلي في هذا الكون وأن العلاقة فيما بينهما تتمثل في أن العمل
الاقتصادي يهدف دوما إلى التقليص من عدم مواءمة البيئة مع حاجيات الإنسان حيث انه
يتمثل في عمل اقتصادي تحويلي لعناصر البيئة المتمثلة بالموارد الطبيعية إلى إشباع
الحاجات الإنسانية وإن إجمالي هذه العملية يتمثل في استنزاف الموارد الطبيعية على
حساب المخزون الطبيعي وإعادة البقايا أو المخلفات إلى البيئة نفسها والتي تؤدي إلى
التلوث العام للحياة. فالبيئة أو النظام البيئي في الحقيقة يمثل مصدر الموارد
الطبيعية وهو في نفس الوقت المخزن أو الوعاء الذي يستوعب هذه المخلفات والنفايات.
ولكن النظام البيئي يخضع إلى شروط
وآليات لا تتفق بالضرورة مع النظام الاقتصادي ولا يبرز التناقض الحاد إذا بقي
الفارق مقبولا، ولكن في الغالب يبقى هذا التنافر والتناقض حادا حيث أصبح لعملية
الاستنزاف والارتداد أثر سلبي تراكمي يهدد الاستقرار واستمرارية النظام البيئي
وبالتالي للنظام الاقتصادي. إن الجانب الأساسي في الفارق بين النظامين البيئي
والاقتصادي يتمثل في البعد الزمني حيث ان البعد الزمني للتغيير البيئي طويل جدا
مقارنة بمشكلة الخصم بين الحاضر والمستقبل، حيث ان عملية الخصم تنقص من قيمة
المستقبل أو تغير المستقبل بشكل نهائي لأنها لا تنحصر بقيم نقدية بل في إمكانية
الاستمرارية والتجديد بالنسبة لتواجد النشاط الاقتصادي ومن هنا بدأت الدول
المختلفة تنادي بالتنمية المستديمة.
وقد دعت مجموعة المؤتمرات والاتفاقات والبرامج الدولية
والاقليمية والمحلية الخاصة بالبيئة والتنمية
إلى دمج البعد البيئي ضمن
إستراتيجيات اقتصادية مسؤولة اجتماعيا، مع العمل في نفس الوقت على حفظ قاعدة
الموارد والبيئة لصالح أجيال المستقبل وضمان أوسع مشاركة جماهيرية في المبادرات
واتخاذ القرار وتشمل الاجندة أيضا تحديد السياسات وخطط العمل وتنفيذها ورصدها
وتقييمها بصورة منظمة.
تهدف هذه الدراسة إلى شرح أبعاد التنمية المستدامة
بمعناها الواسع ، والذي يجمع بين التنمية الاقتصادية في ظل حماية للبيئة وعدالة في
التوزيع، وتركز على الدور المهم المناط للاستراتيجيات والخطط والسياسات الإنمائية
على المستوى القطري وتدعو لدمج السياسات الاقتصادية والبيئة والاجتماعية بما في
ذلك إعطاء المجال لمشاركة عناصر المجتمع على اختلاف مشاربهم في صنع القرار.
النمو الاقتصادي وتدهور البيئة
في المنطقة العربية
أدى التوسع الهائل في الإنتاج العالمي
من السلع والخدمات بسبب التغيرات التكنولوجية والاجتماعية والاقتصادية إلى تمكين
العالم من استيعاب زيادات أكبر في أعداد السكان وتأمين مستويات أرفع للمعيشة
مقارنة بأي وقت مضى في التاريخ. وتتمثَّـل أهم مظاهر النمو الاقتصادي في النصف
الثاني من القرن العشرين في سمتين بارزتين هما سرعته غير المسبوقة وتوزيعه غير
المتكافئ بين البلدان والمناطق. وبين الأعوام 1950
و 2000،
زاد الناتج المحلي الإجمالي في العالم بالأسعار الثابتة ثمانية أضعاف (صندوق النقد
الدولي، 2000).
وخلال الفترة ذاتها، نما عدد سكان العالم من 2.5 بليون نسمة في عام 1950
إلى 6.1
بليون نسمة في عام 2000.
ونظرا لخُطـى التقدم السريعة في المجال التكنولوجي، ظل نمو الناتج متقدما بخطَـى
كبيرة على نمو السكان ونجمت عنه أيضا زيادة في النصيب الفردي من الناتج المحلي
الإجمالي تُقدر بثلاثة أضعاف. انظر الجدول رقم ( 1 )
وانظر ايضا الشكل رقم ( 1 ) الذي يوضح التفوق الكبير للنمو الاقتصادي على النمو
السكاني خاصة بعد منتصف القرن الماضي
النمو المادي وغياب التوازنات
البيئية
يعد النمو الاقتصادي هدفاً لا يخُتلف عليه للسياسات
الاقتصادية، والنمو الاقتصادي ضرورة ملحة لجملة من الأسباب:
1.
من خلال النمو الاقتصادي فقط يمكن رفع المستوى
المادي للمعيشة.
2.
عن طريق النمو الاقتصادي يمكن ضمان وزيادة العرض
لفرص العمل.
3.
والنمو الاقتصادي ضرورة لتلبية احتياجات الحكومة
كي تقوم بواجباتها، وضرورة أيضاً لتحقيق الأهداف الاجتماعية بشكل أفضل.
بعد أن نشر (نادي روما) دراسته حول (حدود النمو)
عام 1992م بدأت جملة من الأسئلة تطرح نفسها بإلحاح: كيف يعرف النمو الاقتصادي وبأي
مقياس يجب أن يقاس؟ وهل يقف النمو الاقتصادي على نوعية البيئة؟ إلى أي مدى يرتبط النمو
الاقتصادي بتدمير البيئة وبرفع مستوى المعيشة والرفاه الاجتماعي؟! يعبّر النمو
الاقتصادي عن الزيادة في المقدرة الاقتصادية لبلد من البلدان خلال فترة زمنية محددة
بالمقارنة بالفترة السابقة ويفهم النمو على إنه الزيادة الحاصلة في الناتج الوطني الحقيقي،
أي أنه يعبّر عن المقدرة الاقتصادية بالناتج الوطني. ويعرف الناتج على أنه قيمة إجمالي
السلع (بضائع وخدمات) المنتجة في الاقتصاد خلال فترة زمنية محددة مطروحاً منها قيمة
السلع التي استهلكت كمستلزمات في العملية الإنتاجية.
وفق هذا الفهم للنمو وللناتج لا تؤخذ بالاعتبار
عناصر البيئة وحجم الخسائر في الموارد البيئية وحجم التكاليف الاجتماعية لهذا النمو.
إن النمو الحاصل هو نمو على حساب البيئة فهو لا يأخذ في حساباته الاقتصادية تلويث وتدمير
البيئة واستنزاف الموارد المرتبط بالإنتاج والاستهلاك. وعلى الرغم من أن أغلب دول العالم
قد حققت اقتصادياتها معدلات نمو مرتفعة للناتج المحلي الإجمالي - وهذا يعتبر نمواً
حسب الفكر الاقتصادي التقليدي - إلا أن ذلك لم يترتب عليه تحسن في مستوى الرفاه الحقيقي
للسكان على المدى الطويل.
إن النمو الحاصل في الناتج المحلي الإجمالي
- بطريقة حسابه الحالية - كمقياس للنمو الاقتصادي لا يمكن أن يكون مؤشراً كافياً للنمو
والتنمية الاقتصادية، فالعائدات من الخامات الطبيعية التي تحسب على أنها دخل أو قيمة
مضافة جديدة ما هي في الحقيقة إلا ريع ناجم عن بيع واستنزاف أصول رأسمالية وموجودات
نادرة ولا تشكل قيمة مضافة ناجمة عن عمل إنتاجي، وهدر هذه الموارد يشكل عامل تدهور
للبيئة، وما لم يتم القيام باستثمارات تعويضية تعيد إنتاج الموارد الطبيعية وتحافظ
على التوازنات البيئية فإن النمو والتنمية لا يمكن أن يحافظا على استمراريتهما.
يتضمن الناتج الاجتماعي قيم المنتجات الزراعية
التي استخدم في زراعتها السماد والمبيدات، ويتضمن أيضاً المنتجات التي لم يستخدم عند
زراعتها أي نوع من السماد أو المبيدات، ويتضمن كذلك الأخشاب من الغابات الطبيعية وقيمة
الأسماك التي ربيت في المزارع وتلك التي تتكاثر في البحار والأنهار وكذلك الخامات الطبيعية
التي استغرق تكونها عشرات بل مئات السنين. يمكن لمعدل النمو أو التغيرات في مركبات
الناتج الوطني المقومة نقدياً أن تعكس نسبياً الارتقاء الحاصل في مستوى المعيشة بشكلها
المادي، إلا أنه لا يظهر حقيقة التغيرات السلبية التي تحصل في مستوى الرفاه الاجتماعي
فالنمو المقوم نقدياً لا يعكس الوضع البيئي، وبالتالي يجب أن يكون هناك تفريق بين النمو
المادي الحقيقي وبين النمو المقوم نقدياً.
لا شك أن المواد الضارة المتراكمة تؤثر بشكل
سلبي على النمو، فتراكم هذه المواد يؤثر سلباً على نوعية البيئة، والنمو الكمي يؤثر
بشكل سلبي على نوعية النمو وذلك عند التعرفة (صفر) لاستخدام البيئة، أي عندما تعد موارد
البيئة الطبيعية موارد مجانية قيمتها صفر في الحسابات الاقتصادية، وللأضرار البيئية
أشكال مختلفة فهناك الأضرار الصحية والأضرار الحيوانية والنباتية وأضرار في المناخ
والطقس، ويتضح التأثير المباشر للتلوث والأضرار البيئية على النمو الاقتصادي من خلال:
·
تدهور الوضع الصحي للقوى العاملة، وبالتالي ارتفاع
سعر عنصر العمل وبخاصة في مناطق التجمعات السكانية الكبيرة.
· زيادة عناصر الإنتاج وذلك
نظراً للحاجة لتنقية المياه وتصفية الهواء وحماية المباني والآلات والتجهيزات وإنفاق
المزيد من الأموال من أجل الوقاية من التلوث بأنواعه.
إن إنفاق الأموال لحماية البيئة يؤثر سلباً على النمو
الاقتصادي بالمعنى التقليدي وفي الأمد القصير، أي أن النمو في الناتج الوطني قد ينخفض،
ولكن كل وحدة نقدية تنفق من أجل حماية البيئة والحد من الأضرار ستشجع وتزيد الإنتاج
وبالتالي النمو الاقتصادي على المدى البعيد طالما أن إنفاق هذه الوحدة
تشارك منطقتنا كباقي أجزاء العالم من حولنا بما
وصلت إليه البيئة من تدهور. وقد سبق ذكر العديد من مظاهر هذا التدهور. كما أدت
الحروب المتتالية في المنطقة وإخفاقات السوق إلى تدهور في أسعار النفط خلال
الأعوام القليلة الماضية، وهذا مما زاد من استفحال المشاكل البيئية. فمن الملاحظ
عالميا ، ومنطقتنا لا تختلف عن ذلك، انه كلما انخفض الوضع الاقتصادي لمجتمع ما،
زاد إهمال ذلك المجتمع للوضع البيئي. وكلما زاد غنى المجتمع ، كلما زادت الصبغة
الاستهلاكية لذلك المجتمع، مما يزيد من استنزافه للمصادر وبالتالي زيادة حجم
المخلفات التي ينتجها ونضب لمصادره الطبيعية.
وهنا تجدر
الإشارة إلى أن تدهور الوضع البيئي يفرض أعباء ضخمة على الاقتصاد على المدى
البعيد، لان تكاليف معالجة التلوث تزداد كلما زادت مدة إهمال علاج ذلك التلوث.
وبالنظر للمؤسسات البيئية الموجودة في المنطقة نجد أن غالبيتها تفتقر إلى موظفين
ذوي كفاءة ودراية، بالإضافة إلى نقص في الإرادة السياسية لفرض سياسات بيئية جيدة
وتحويلها إلى ممارسات فعالة.
تؤكد إحدى القواعد
المتخصصة في حل المشكلات الاقتصادية
أن مضاعفة حجم الاقتصاد
خلال فترة لا تتجاوز عقداً من الزمان تتطلب تحقيق نمو سنوي نسبته 7.2%. ولا شك أن بعض الدول النامية في المنطقة العربية تمتلك القدرة
على تحقيق مثل هذه النمو الهائل،
إلا أن دورة نمو اقتصادات الشرق الأوسط، التي تسعى عادة لاستهداف هذه النسبة، تجعل من وضع الخطط والاستراتيجيات
أمراً على قدر من الصعوبة. وفي ظل
النمو السكاني المطرد
الذي تشهده المنطقة، فإن الخيار الوحيد المتاح أمام الحكومات لتحقيق التنمية هو التقدم بخطى أكثر سرعة وفاعلية.
وتصنف "وكالة موديز العالمية للتصنيف الائتماني" 11 اقتصاداً رئيسياً في منطقة الشرق الأوسط، هي 6 في
دول مجلس التعاون الخليجي و2 في
منطقة المشرق العربي
(الأردن ولبنان) و3 في شمال أفريقيا (مصر وتونس والمغرب). وإذا اعتبرنا أن هذه الدول تمثل مجمل اقتصادات الشرق
الأوسط، فإن بيانات الوكالة تشير
إلى تقلبات في نسب
النمو الإسمي لهذه الدول خلال الفترة الممتدة بين 1998-2005.
وتظهر هذه التقلبات
إذا ما قورنت مع نسب النمو المستقرة التي تحققها الاقتصاديات المتطورة بواقع 2-5% سنوياً. ويظهر الجدول التالي التفاوت في نسب نمو
اقتصادات الشرق الأوسط، إذ
أنها ترتفع في بعض الأعوام وتنخفض في أعوام أخرى. انظر الجدول
رقم (2 )
وبما أن النمو الاقتصادي يعني الزيادة
في الانتاج فقط فاننا نلاحظ الاستغلال الكبير للموارد لكي نصل الى هذا الحجم
الكبير من الانتاج ممايعني استغلال موارد الطبيعة دون التوازن بين الزيادة في عدد
السكان والزيادة في الانتاج الشيئ الذي ساهم الى حد كبير في التدهور البيئي الحادث
الآن ويتفاقم هذا التدهور في المنطقة العربية اذا ما اجرينا مقارنة بين معدلات
النمو العالمية ومعدلات النمو في المنطقة العربية حيث نجد أن متوسط معدل النمو
العالمي حوالي 3% بينما متوسط معدل النمو في المنطقة العربية أكثر من 7% مما يعني
الافراط في استغلال الموارد ومزيد من التدهور البيئي (انظر الجدول رقم ( 2 ).
أما
في دول شرق وجنوب آسيا، فان النمو الاقتصادي المثير للإعجاب وثماره التي ظهرت خلال
العقود الثلاثة المتتالية متمثلة في زيادة معدلات الإنتاجية، وتراكم رأس المال
المادي والبشري وتَحَسُّن مستويات الدخول، وهذا النمو شَمَلَ ثمانية اقتصاديات هي:
اليابان ومجموعة النمور الأربعة: سنغافورة وهونج كونغ وكوريا وتايوان، والدول
المصنعة حديثًا في جنوب شرق آسيا، وتضم ماليزيا وإندونيسيا وتايلاند. فقد اقترن بظاهرة
التلوث الصناعي، وهذه الظاهرة تزايدت بمعدلات مذهلة في كل دول الإقليم خلال
السنوات الأخيرة، بما يفوق معدلات النمو الاقتصادي نفسه التي تتراوح بين 5 - 10%
سنويًّا، مقارنة بمعدلات التلوث التي تصل إلى 30% سنويًّا خاصة في قطاعات الصناعة
والنقل والطاقة. وبسبب ذلك تتزايد تكاليف الصحة وحماية البيئة، بينما تتناقص
الموارد الطبيعية ويَقِلُّ انتفاع الإنسان بها، إضافة إلى المتاعب الجَمَّة التي
يتعرض لها الإنسان، وربما تؤدي إلى فقدان الحياة، فأرقام معدلات الوفاة نتيجة تلوث
البيئة في ارتفاع مستمر.
ويعتبر النمو الاقتصادي والى وقت قريب
المؤشر الاول في خطط التنمية الاقتصادية حيث أن معظم الخطط التنموية تتبنى زيادة
معل النمو الاقتصادي كدليل على نجاحها ولا تضع في الاعتبار التبعات البيئية على
هذه الزيادة وهنا يغيب البعد البيئي في التخطيط الاقتصادي مما يفاقم من تدهور
البيئة.
الاقتصاد البيئي والاقتصاد
التقليدي
ينظر الاقتصاد
التقليدي إلى عملية الإنتاج على أنها "نظاما مغلقا" تقوم من خلاله
الشركات ببيع السلع والخدمات، ثم توزع العائد على عناصر الإنتاج من ارض ويد عاملة
ورأس مال. ومثل هذه المعادلة لا تتضمن عوامل أخرى غير مباشرة تدخل في صميم العملية
الإنتاجية. فعلى سبيل المثال فإن استخراج الموارد الأولية من باطن الأرض يعني نقصا
لمجموع هذه الإمكانيات الاقتصادية، بالإضافة إلى أن عمليات الاستخراج نفسها قد
تكون مصحوبة بتلويث للبيئة، بما في ذلك من مخلفات لعملية الاستخراج هذه. كذلك فان
عملية زراعة المحاصيل وحصادها قد تسبب انجراف للتربة بفعل الريح ومياه الري مما قد
يحد من خصوبة الأرض المستقبلية.
ومن أسس
الاقتصاد التقليدي أيضا أن الناتج القومي الإجمالي يعتبر مؤشرا لقياس أداء
الاقتصاد والرفاهية على المستوى القومي. وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى أن هنالك
عوامل أخرى أغفلها هذا النظام. إذ لا يأخذ في الاعتبار ما يصاحب العملية الإنتاجية
من تلوث بيئي، ولا يعطي أية قيمة للموارد الطبيعية وتعتبر التكاليف المتعلقة
بمكافحة التلوث والرعاية الصحية للحالات المتضررة مساهمات إيجابية في الناتج
القومي الإجمالي، لأن مثل هذه التكاليف هي مدخلات إيجابية لمجموع نشاطات الوحدات
الصحية أو الخدماتية القائمة عليها.
ينظر الاقتصاد
البيئي التقليدي إلى مشكلتين، الأولى مشكلة الآثار البيئية الخارجية والثانية
الإدارة السليمة للموارد الطبيعية (التوزيع الأمثل للموارد غير المتجددة بين
الأجيال). مثل هذا المنطق، وحتى في ظل غياب أي تقدم تكنولوجي، لا ينظر إلى نضب
الموارد كمشكلة أساسية إذا كان رأس المال المتجدد الذي يجمعه الإنسان مستداما
بالقدر الكافي بالنسبة للموارد الطبيعية. أي أنه يستعيض عن رأس المال الطبيعي برأس
مال اكثر إنتاجية يجمعه من خلال نشاطات ومشاريع معينه. ولكن المأخذ على هذا التوجه
هو أن مبدأ الاستعاضة محدود لان رأس المال الطبيعي يمكن أن يستثمر في مجالات
عديدة، في حين أن رأس المال الذي يجمعه الإنسان يفتقر إلى مثل هذه الصفة. ولا يمكن مقايضة المصادر البيئية بموارد
اصطناعية أوجدها الإنسان لأسباب أخرى، أهمها هو أنه لا توجد بدائل اصطناعية لكثير
من الأصول البيئية، كما أن رأس المال البيئي يتميز بأنه لو أتلف لكان فقده دائما،
وذلك على عكس رأس المال الاصطناعي والذي يمكن إعادته بعد إتلافه. ويجب أيضا
التنويه إلى أن فهم الإنسان لفعل الطبيعة فهم محدود، وبالتالي فإن خفض رصيد رأس
المال الطبيعي يعتبر استراتيجية محفوفة بالمخاطر.
يمكن تعريف
الاقتصاد البيئي على انه فرع من فروع علم الاقتصاد يتناول مسألة التوزيع الأمثل
للموارد الطبيعية التي توفرها البيئة لعملية التنمية البشرية. ويمكن تعريف البيئة
البشرية على أنها المحيط الذي يعيش فيه الإنسان ويحصل منه على المواد اللازمة
لبقائه وتنميته المادية والثقافية، ويبني فيه مسكنه ويفرغ فيه النفايات الناتجة عن
نشاطاته اليومية. وبهذا المنطق فإن عناصر الاقتصاد البيئي هي سلع اقتصادية نادرة،
ولا توفر الطبيعة كمية كافية من الموارد البيئية لتلبية احتياجات الإنسان، وهي
ليست مجانية حتى وان كانت غير قابلة للنضوب بالفعل، أو كان الطلب عليها شبه
معدوم.
المعنى الاقتصادي للتنمية
المستدامة
: مفهوم
التنمية المستدامة:
1 – التعريف
المادي للتنمية المستدامة
رغبة من بعض المؤلفين في جعل مفهوم التنمية المستدامة
أقرب إلى التحديد، وضعوا تعريفا ضيقا لها ينصب على الجوانب المادية للتنمية
المستدامة. ويؤكد هؤلاء المؤلفين على ضرورة استخدام الموارد الطبيعية المتجددة
بطريقة لا تؤدي إلى فنائها أو تدهورها، أو تؤدي إلى تناقص جدواها
"المتجددة" بالنسبة للأجيال المقبلة. وذلك مع المحافظة على رصيد ثابت
بطريقة فعالة أو غير متناقص من الموارد الطبيعية مثل التربة والمياه الجوفية
والكتلة البيولوجية.
2 – التعريفات
الإقتصادية
وتركز بعض
التعريفات الاقتصادية للتنمية المستدامة على الإدارة المثلى للموارد الطبيعية،
وذلك بالتركيز على "الحصول على الحد الأقصى من منافع التنمية
الاقتصادية، بشرط المحافظة على خدمات الموارد الطبيعية ونوعيتها".
كما انصبت
تعريفات اقتصادية أخرى على الفكرة العريضة القائلة بأن "استخدام الموارد
اليوم ينبغي ألا يقلل من الدخل الحقيقي في المستقبل". وتقف وراء هذا
المفهوم "الفكرة القائلة بأن القرارات الحالية ينبغي ألا تضر بإمكانيات
المحافظة على مستويات المعيشة في المستقبل أو تحسينها.. وهو ما يعني أن نظمنا
الاقتصادية ينبغي أن تدار بحيث نعيش على أرباح مواردنا ونحتفظ بقاعدة الأصول
المادية ونحسنها"
تعني التنمية
المستدامة ان نكون منصفين مع الأجيال القادمة، بمعنى أن يترك الجيل الحالي للأجيال
القادمة رصيدا من الموارد مماثلا للرصيد الذي ورثه أو افضل منه. ويتضمن ذلك تحقيق
عدة أهداف أهمها:
(1) الاستخدام الرشيد للموارد
الناضبة (ماء ونفط وغاز). بمعنى آخر، حفظ الأصول الطبيعية بحيث نترك للأجيال
القادمة بيئة مماثلة، حيث أنه لا توجد بدائل صناعية لكثير من الأصول البيئية.
(2) مراعاة القدرة المحدودة
للبيئة على استيعاب النفايات.
(3) الاقتصار على استخدام حصيلة
مستدامة للموارد المتجددة.
أما بالنسبة
لتحديد الكمية التي ينبغي استخدامها من كل شكل من أشكال رأس المال (الثروات
البيئية والبشرية والرأسمالية) فإن ذلك يعتمد على تحديد قيمتها الاقتصادية
الحقيقية وتحديد سعر لها. وهنا تكمن الصعوبة في تسعير الأنظمة البيئية.
لو نظرنا إلى
نظم المحاسبة التقليدية، فإننا نجد أنها تعتبر أن زيادة الإنتاج أو استخراج اكبر
للمصادر الطبيعية (مثل زيادة الضخ من المياه الجوفية وزيادة الإنتاج من النفط
الخام) هي مدخلات إيجابية عند حساب الناتج القومي الإجمالي. وحسب هذا المنطق فان
صيد سمك اكثر وقطع أخشاب اكثر وبيعها كأخشاب أو تصديرها ، كل ذلك يزيد من الناتج
القومي الإجمالي، بغض النظر عما تتركه مثل هذه التوجهات من آثار بيئية سيئة، مثل
زيادة سخونة الجو وفقدان طبقة الأوزون والتلوث الناتج لكل من الهواء والماء، والتي
لها تكاليفها المخفية وغير المنظورة. ولذلك نجد أن التنمية المستدامة تفترض أن
تعكس نظم المحاسبة قدر الإمكان الأسعار الافتراضية للموارد الطبيعية. ويجب اتخاذ
موقف سلبي من نظام اقتصادي أو محاسبي لا يعتبر الموارد الطبيعية أصولا مادية
إنتاجية قابلة للنضوب والتدهور نتيجة الأنشطة الاقتصادية المختلفة، لان ذلك سيشجع استخدامها بشكل غير مستدام
وسيؤدي إلى إساءة استخدامها.
كذلك فإن
استخدام الناتج القومي الإجمالي كمقياس لرفاهية المجتمع يفتقر للدقة، لأن من
متطلبات التنمية المستدامة اقتطاع جزء من
الدخل لتغطية تكلفة الأضرار الناتجة عن التلوث. ومن النتائج المباشرة للتنمية
المستدامة اعتبار أن رأس المال غير متناقص وبالتالي فإن هناك ضرورة لتقييم الأرصدة
والتغير في الأصول البيئية (أي تحديد حجم الأضرار الناتجة عن التلوث أو التحسينات
التي تحققت من خلال الأنظمة البيئية).
من الآثار
الأخرى للتنمية المستدامة الحاجة إلى قياس الدخل "المستدام"، وهو بمثابة
قياس للدخل الصافي، حيث يجب طرح استهلاك رأس المال المادي والبيئي من الناتج
القومي الإجمالي. وبالتالي فان قياس " الدخل المستدام" يتم بحساب الدخل
حسب الطرق التقليدية منقوصا منه نفقات حماية البيئة والقيمة النقدية للتلوث
المتخلف واستهلاك رأس المال الاصطناعي واستهلاك رأس المال البيئي (الضرر الذي أصاب
وظائف النظام الايكولوجي ورأس المال المتجدد ورأس المال الآيل للنضوب).
إن الهدف الأمثل للتنمية المستدامة هو التوفيق بين التنمية الاقتصادية
والمحافظة على البيئة. وهي تسعى إلى بلوغ "الحد الأقصى" من أهداف
الأنظمة الثلاثة، البيولوجي (التنوع الجيني والمرونة والقدرة على الانتعاش
والإنتاجية البيولوجية) والاقتصادي (تلبية الاحتياجات الأساسية للإنسان وتعزيز
العدالة وزيادة السلع والخدمات المفيدة) والاجتماعي (التنوع الثقافي والاستدامة
المؤسساتية والعدالة الاجتماعية والمشاركة).
التخطيط الاقتصادي مع الآخذ في
الاعتبار البعد البيئي
(أ) سياسات التنمية
الاقتصادية
إن إحداث
تغييرات جوهرية في السياسات الاقتصادية والتخطيط على المستوى الوطني والإقليمي هو
متطلب أساسي لمواجهة المشاكل البيئية والوصول إلى التنمية المستدامة. ومن
التغييرات المقترحة في هذا المجال ما يلي:
(1) زيادة اتساع قاعدة اتخاذ
القرار والسماح للجمهور بالمشاركة،
(2) إدماج البعد البيئي في خطط
التنمية،
(3) خلق سياسات تنموية متوازنة إقليميا، بمعنى
تأكيد أهمية التنمية الزراعية في البلدان التي تتوفر لديها الموارد الطبيعية
اللازمة للزراعة والتركيز على التنمية الصناعية بهدف تطوير الاقتصاد،
(4) تحقيق التوازن بين تنمية
المجتمعات الحضرية والريفية،
(5) الاستخدام المتوازن للموارد وخاصة الناضبة
منها، وبحيث يكون استخدام الموارد المتجددة بما لا يتجاوز قدرتها على التجدد وزيادة فعالية
استخدامها لتعوض عن الموارد الناضبة.
(6) مراعاة حفظ التنوع
الايكولوجي باعتماد سياسات تتعامل مع المشاكل البيئية الطويلة الآجل.
(7) فرض رسوم تلوث ومن ثم استخدام مثل هذه
الرسوم في حل المشاكل الناتجة عن التلوث من جهة ولتشجيع الحد من التلوث من جهة أخرى،
(8) الحد من إنتاج النفايات بحيث لا يتعدى قدرة
تحمل البيئة على استيعابها وزيادة فعالية استخدام الموارد وزيادة الموارد المتجددة
لتعوض عن الموارد الناضبة،
(9) تخفيض دعم إنتاج المبيدات
الحشرية والأسمدة الكيماوية وتشجيع استخدام الأسمدة العضوية،
(10) تحسين وسائل النقل العام
وشبكات الطرق للحد من التلوث الناجم عن السيارات،
(11) تشجيع استخدام البنزين
الخالي من الرصاص.
مرت منطقتنا
خلال العقود القليلة الماضية بكثير من النزاعات والحروب. بالإضافة إلي ذلك، ومن
خلال سياسات اقتصادية واجتماعية مختلفة، نمت المجتمعات المحلية وزادت الفوارق
بينها مما زاد من حدة التنافس وتفاوتت المداخيل بين تلك البلدان، وهذا بدوره ساعد
في زيادة التوتر والفقر وتدهور الوضع البيئي، وعمل على توسيع الهوة بين طبقات
الفقراء والأغنياء في داخل المجتمع الواحد وبين المجتمعات المختلفة. ففي سنة 1960
حصل أعلى 20% من أغنياء العالم على 30 ضعف اكثر من أفقر 20% من سكان العالم.
وتغيرت هذه النسبة مع الزمن بحيث أن إحصائيات سنة 1990 تدل على أن أعلى 20% من
أغنياء العالم قد حصلوا على 150 ضعف ما حصل علية أفقر 20% من سكان العالم.
وإذا أضفنا إلى
ذلك اتجاه تدفق الأموال من البلاد الفقيرة إلى البلاد الغنية فإن الصورة تصبح اكثر
سوادا. ففي سنة 1993 دفعت الدول الفقيرة فوائد على ديونها بقيمة 250 بليون دولار،
بينما وصل هذه البلاد فقط 70 بليون دولار كمساعدات مالية. والمضحك المبكي في هذه
الصورة أن الدول الدائنة هي نفسها الدول المنتجة للسلع، والتي عملت من خلال رفع
أسعار سلعها وزيادة الصبغة الاستهلاكية للمجتمعات النامية من أن تتعدى القدرة
الشرائية لهذه المجتمعات مصادر دخلها، مما خلق عجزا هائلا في ميزان مدفوعاتها
وزيادة ديونها لمستويات خيالية (اكثر من 3 تريلون دولار في سنة 1999). ويعني كل ذلك أن اعتماد الاقتصاد
الشمولي كأساس لخطط التنمية في سياق إقليمي سيوفر ظروفا افضل لتنمية مستدامة.
(ب) السياسات
البيئية الفنية
من الممكن تسخير
السياسات البيئية الفنية في استبدال عناصر الإنتاج (رأس مال ويد عاملة وموارد
طبيعية ومرافق بيئية) والحد من ندرتها. فاستخدام التكنولوجيا الحديثة سيساعد في
المحافظة على الماء والطاقة المستخدمة في المجالات الزراعية والصناعية والمنزلية،
بما في ذلك تشجيع استخدام تقنيات زراعية وأساليب ري حديثة للحد من الفاقد في مياه
الري، وكذلك زراعة محاصيل مناسبة للتربة والبيئة المحلية، وكذلك للتقليل من التلوث
وإعادة التدوير كلما أمكن ذلك على كل من المياه العادمة والنفايات الصلبة على
المستوى المنزلي أو الصناعي.
(ج) التشريعات
قد لا يكون
تشريع قوانين بيئية فقط هو الأسلوب الأمثل للحد من التلوث لضمان تنمية مستدامة،
وإنما لا بد أن تكون متكاملة مع استراتيجيات التنمية المستدامة بما فيها من
مبادرات اقتصادية وتكنولوجية. لذا يفترض بالتشريعات البيئية أن تضع معايير لبعض
الأنشطة (مثل الحد من التلوث لكل من الهواء والماء والتربة)، وأن تنظم بعض
النشاطات الاقتصادية. وتشمل التشريعات البيئية مجموعة من المواضيع، مثل تخطيط
استخدام الأرض ( بما في ذلك التخطيط الحضري والتجمعات السكانية) وتقييم أثار
المنشأة على الوضع البيئي المحيط وتشريعات ضريبية على منتجي الملوثات، وهذه
الإجراءات بحد ذاتها مهمة وضرورية، ولكنها قد تعيق التنمية إذا لم تربط مع العناصر
الاقتصادية والاجتماعية الأخرى ذات العلاقة. وفي جميع الأحوال هناك ضرورة لوجود
جهاز فعال لرصد وتقييم جميع السياسات والإجراءات السالفة الذكر.
(د) تنفيذ السياسات
لضمان تنفيذ
السياسات بفعالية، يجب أن تتميز هذه السياسات بالواقعية والمرونة والاستمرارية، مع
تفادي الانقطاع في السياسات الموضوعة. ويتطلب كل ذلك وجود إدارة مركزية مسئولة
وذات فعالية ونفوذ تستطيع تجميع جهود إدارات مختلفة ومدربة تدريبا جيدا وقادرة على
إدارة هذه السياسات بدون تحيز، مع حرصها على إشراك المجتمعات المحلية والمنظمات
الأهلية والأفراد ذوي الاهتمام. كما يجب أن تصبح التنمية المستدامة استراتيجية
حكومية تلتزم بها وتتعاون على تنفيذها جميع المؤسسات الحكومية ذات العلاقة.
من الملاحظ أن
جانبا مهما من المشاكل البيئية تحدث على المستوى المحلي، وبالتالي فان ذلك يتطلب
تدريب وتجهيز القدرات الإدارية للسلطات المحلية على حل المشاكل البيئية بشكل فعال.
ولابد أن يكون واضحا من أن وجود السياسات لا يكفي بحد ذاته لضمان تنفيذها بأمانة،
بل لابد من توفر طواقم فنية لها قدرة المراقبة للتأكد من الالتزام بتنفيذ تلك
السياسات، ووجود نظام قضائي فعال لمحاسبة المخالفين منهم.
دمج الأبعاد البيئية مع التنمية على مستوى التخطيط
لم يكن من
المتعارف عليه في السابق اعتماد الاعتبارات البيئية والاجتماعية كجزء من المعطيات
التي يتم بناء عليها تصميم الخطط الاقتصادية الإنمائية. إلا انه اصبح من الواضح
بان وضع الاعتبارات البيئية في حسابات المخطط الإنمائي بما في ذلك تقييم الاثار
البيئية للمشروع قبل البدء في تنفيذه يعطي أبعادا جديدة لقيمة الموارد واستخدامها
على اساس تحليل التكلفة والفائدة وكيف يمكن المحافظة عليها، فضلا عما سيعود عن ذلك
من فوائد اقتصادية، بالإضافة طبعا لتحقيق هدف المحافظة على البيئة.
يتضمن الفصل
الثامن من جدول أعمال القرن 21 المتطلبات الرئيسية اللازمة لدمج الأبعاد البيئية
والتنمية عند صنع القرار، بما في ذلك المسائل المتعلقة بدمج البيئة والتنمية على
مستويات السياسة والتخطيط والإدارة ، والإطار القانوني والتنظيمي ذي الصلة
والاستخدام الكفؤ للأدوات الاقتصادية وحوافر السوق، وكذلك التوصية بإنشاء نظام
محاسبي جديد يتضمن تلك الاعتبارات.
ويتبين من
استعراض الوضع البيئي في منطقتنا من أن هناك العديد من المشاكل البيئية والتي في
الأصل هي ناتجة عن عدم الاعتماد في الأساس على سياسة تتضمن الجوانب الثلاثة
السالفة الذكر. من ذلك مثلا، التدهور الكبير في الموارد الطبيعية، كما هو الحال في
استمرار عمليات التصحر والتملح، ونقص موارد المياه مما يساهم في انخفاض الإنتاجية
والفقر والبطالة والنزوح الريفي إلى المدن. كذلك فان تدهور نوعية الموارد المتجددة
ونقص الموارد غير المتجددة يحدان من امكانية التنمية الطويلة الآجل (للأجيال
القادمة)، بالإضافة لما يسببانه من ارتفاع في الأسعار في الوقت الحاضر. يضاف إلى
ذلك ما سيترتب عليه إهمال البيئة من مشاكل تلوث والتي لابد من معالجتها ولو بعد
حين، وهذا سيزيد من الأعباء المالية على الاقتصاد، والذي هو في الأصل هش ويعاني من
عجز مالي في كل دول المنطقة دون استثناء.
وكما هو معروف،
فان التنمية الاقتصادية تتضمن تغير بيئي، وهذا سيؤثر على التكاليف الحالية والآجلة
التي سيتحملها الاقتصاد، ولهذا فان الخاسرين والمستفيدين من الأجيال الحالية
والمستقبلية يمثلون مصالح متضاربة. ومن هنا جاء المبدأ الذي يعني أن التنمية
المستدامة هي حلول منطقية للتعايش بين الأجيال الحالية والمستقبلية، وهذا هو جوهر
التنمية المستدامة.
في كثير من
الأحيان قد يكون هناك اكثر من وجهة نظر في التعامل مع المشكلة المطروحة. وبالطبع
فان تناقض المصالح ينطوي على ربح وخسارة. والجانب ذو النفوذ في المجتمع هو الذي
يحدد المستفيدين. وعليه، فان للدولة دور في إيجاد توازن بين هذه المصالح المتضاربة
من اجل ضمان مواصلة التنمية الاقتصادية والحفاظ على التوازن البيئي للأجيال
الحالية والقادمة. ولا بد لجميع دوائر صنع القرار من أن تأخذ هذه المعايير في
حسابها. ولن يكون بالإمكان تحقيق ذلك إذا جرى تهميش المنظور البيئي واستبعد من
مراكز صنع القرارات الإنمائية الشاملة . وهذا يتطلب إعادة تشكيل هياكل بناء
القرارات والهياكل المؤسسية، لان السياسة الاقتصادية هي عادة من اختصاص اقتصاديي
وإداريي وزارات الاقتصاد والتخطيط والمالية والبنك المركزي فقط.
البيئة في سياق التخطيط الوطني
كما سبق ذكره،
لم تؤخذ اعتبارات حماية البيئة في السابق مأخذ الجد في التخطيط الإنمائي للمنطقة،
ليس فقط للجهل بأبعاد هذا السلوك فقط، بل لأنه لم يكن هناك توقعا لأخطار بيئية
منظورة . وهذا الواقع ليس حصرا على منطقتنا ، بل كان هو المنطق السائد في جميع
الدول الأخرى بدرجات متفاوتة. لذا كان تطبيق التنمية المستدامة بمعناها الواسع،
والذي يجمع بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة، تطبيقا سطحيا ومحدودا.
وكتعديل لهذا
الواقع، وإدراكا للتركة البيئية السلبية التي خلقتها تلك السياسات الإنمائية، فقد
عمل أصحاب القرار على إنشاء مؤسسات مكلفة بشئون البيئة (قد تكون وزارة أو سلطة أو
كلاهما…)، واقتصر دورها على المراقبة في مجال اختصاصها. وبالتالي فإن مثل هذه
المؤسسة قد تعارض تنفيذ المشاريع لأسباب بيئية. وهذا في حد ذاته قد يفسره
المسئولون في الوزارات المتأثرة على انه تدخل في شئونهم وقد يسبب في رأيهم عائقا للتنمية
ويحد من إمكانية خلق فرص العمل. وبالتالي تبقى سلطة اتخاذ القرارات الاقتصادية
والمتعلقة بالتخطيط في يد وزارات ومؤسسات غير معنية كثيرا بالبيئة، وهذا يؤدي إلى
تهميش المؤسسات البيئية وبالتالي يزيد من المشاكل البيئية ويحد من استدامة النمو
الاقتصادي.
لقد اعتمدت
بلدان المنطقة أسلوب التنمية الغربي في خططها التنموية مما ترك أثارا متعددة، مثل
الاستخدام المكثف للموارد البيئية مع عدم الاكتراث لإمكانية استنفاذها، وظهور
أنماط استهلاك شجعتها وسائل الإعلام والدعاية وكان من أهم سماتها عدم الاكتراث
للموارد الطبيعية. ويتضح هذا بجلاء في بلدان مثل منطقة الخليج العربي حيث الاهتمام
الكبير بالنمو وازدياد الرغبة في الاستهلاك، وكلا العاملين شكلا عاملي ضغط دفعت
الحكومات المحلية لزيادة إنتاجها من النفط لتغطية نفقات التنمية من جهة ولسد
الاحتياجات الاستهلاكية من جهة أخرى. وقد أدى كل ذلك إلى أثار سلبية متمثلة في
استنفاد الموارد وخفض أسعار النفط، مما عاد بالضرر الاقتصادي على تلك المجتمعات.
يضاف إلى ذلك الأضرار البيئية التي تركتها تلك السياسات والتي لابد للأجيال
القادمة من أن تتعامل معها.
وبالطبع لا
يمكن إنكار أن هذه المجتمعات سعت ومن خلال خطط تنموية طموحة اقتصاديا إلى تنمية
مجتمعاتها. إلا أن هذه التنمية ينظر إليها على أنها نمو اقتصادي وركزت على معدل
النمو وسعت لرفعه إلى أقصى حد ممكن، مع عدم الاهتمام لجوانب التنمية الأخرى من
اجتماعية وبيئية. وقد تزامن التنافس على معدلات النمو مع الاهتمام بتفاوت الدخل
بين البلاد النامية والبلاد المتقدمة النمو وزاد البحث عن سياسات وموارد لتضييق
هذا التفاوت مما دفعها للجري وراء سراب الدخل، متجاهلة الاحتياجات الأساسية
المتزايدة في المجالات الأخرى.
وهنا يجدر
السؤال، هل إن أولويات التخطيط في منطقتنا محددة بوضوح؟ قد تتوفر جهود ملموسة هنا وهناك على هذا الصعيد
ولكن الواقع الغالب هو غياب مثل هذه الأولويات. يضاف إلى ذلك الجهل بسلوك وخصائص
النظام البيئي للمنطقة، وعدم فهم الهيكل الاجتماعي – الاقتصادي؛ وكل ذلك يدفع إلى
تقليد أساليب للتنمية غريبة وأجنبية عن المنطقة.
إن الخطر
الحالي يتمثل في إتباع نفس أساليب التنمية السابقة والتي تعتمد على رفع معدلات
النمو إلى أقصى حد بدون اعتبار للبعد البيئي و الاجتماعي. لقد كانت آثار مثل هذه
السياسات واضحة بالنسبة للبلدان الصناعية، ولكنها قد تكون اكثر وضوحا في بلادنا
بسبب انخفاض مستوى الأداء الاقتصادي والاستغلال المفرط للموارد فيها. إن الخيار
الذي لا بد من اتباعه لتحقيق تنمية إقليمية مستدامة هو دمج البعد البيئي في
التخطيط الإنمائي. بمعنى آخر، يجب اعتماد التنمية المستدامة كنهج مختلف عن مجرد
النمو، وهذا يعني تعزيز قدرة المنطقة على استخدام نموها وجعله جزءا من هيكلها.
وبوضوح اكثر يعني الاحتفاظ بجزء مهم من فائض النمو الاقتصادي وإعادة تشغيله فيها،
على أن يرافق ذلك دمج البعد البيئي في الخطط الإنمائية.
لقد أثبتت
التجارب السابقة للبلاد المحيطة أن هناك قيودا على التخطيط وإمكانياته كأداة للسياسة
العامة. ومن المشاكل التي ظهرت وكان لها تأثيرها على الخطط التنموية الموضوعة هو
النقص في البيانات الدقيقة، وافتقار القائمين على التخطيط والتنفيذ للخبرة، وقلة
التعاون بين الأجهزة المختلفة، وضعف العلاقة بين التخطيط والإمكانيات المتوفرة،
بالإضافة إلى الافتقار لأمانة التنفيذ. كذلك ظهرت تجاوزات للخطط التنموية، فمجرد
شعور السياسي بالقيود المفروضة عليه من قبل هذه السياسات فانه سرعان ما يتجاوزها.
بل اكسبه ذلك مزيدا من السلطة. وفي كثير من الأحيان قد يحبط هؤلاء المنتفعون الخطط
الإنمائية لخدمة مصالحهم الخاصة. كذلك فشلت مثل هذه السياسات بالتنبؤ بسلوك القطاع
الخاص.
يدل الواقع
كذلك على أن المعرفة للبيئة المحلية على مستوى منطقتنا محدودة لنقص المعلومات
الدقيقة والتقييم الشامل لها. وان توفرت بعض المعلومات فان السلطات المعنية
تعاملها وكأنها معلومات سرية ولا يسمح في كثير من الأحيان بتبادلها مع الجهات
المختلفة في المنطقة. وهذا يحرم المنطقة من قدرة التخطيط السليم على المستوى
الإقليمي، وخاصة في مجال المياه والطاقة وإدارة الأراضي.
ويؤدي الوضع
الحالي في منطقتنا والمتمثل في عدم وجود تكامل اقتصادي بين دول المنطقة إلى الحد
من قدرة المنطقة على التفاوض على أولويات الاستثمار. ويؤثر هذا الوضع سلبا حتى على
تحقيق الأهداف الوطنية والتي تشكل فيه هذه الموارد المجالات الرئيسية للتنمية
الإقليمية المتكاملة. فالمشاريع المتعلقة بالمياه والطاقة مثلا من الممكن لو
اعتمدت على المستوى الإقليمي أن تعطي نتائج أوفر اقتصاديا، ناهيك على القدرة عند
ذلك على الاستخدام الأمثل لمثل هذه الموارد، على العكس مما لو بقيت هذه المشاريع
"وطنية". وهذا بدوره يحد من قدرة المنطقة على التفاوض جماعيا بما يخص
حقوقها وواجباتها المتعلقة بالاتفاقات البيئية الدولية، مثل اتفاقية تغير المناخ
ومكافحة التصحر والتي بدأت تظهر وتفرض على دول العالم منذ منتصف الثمانينات.
التخطيط لتنمية مستدامة
كما سبق ذكره،
فإن جدول أعمال القرن 21 دعا ومن خلال تحديد سياسات عامة إلى وضع خطط
ميدانية تعتمدها جميع وزارات الحكومات المركزية وعلى جميع مستويات الحكم، وذلك
لضمان تماسك السياسات والخطط وأدوات السياسة العامة القطاعية والاقتصادية
والاجتماعية والبيئية. والغرض من الاستراتيجيات هذه هو الربط بين الخطط المختلفة
ليكون التخطيط شمولي وطويل الآجل ويخدم الأهداف السابقة الذكر.
لقد أعدت بعض
بلدان المنطقة وبدرجات متفاوتة خططها الخاصة باستراتيجيات حفظ البيئة. ويمكن تقسيم
الاستراتيجيات الوطنية إلى مجموعتين: الأولى ذات أبعاد شمولية والثانية ذات أبعاد
قطاعية. فمن الخطط التنموية الشمولية ما يلي:
(1) الخطط
الإنمائية التقليدية،
(2) الاستراتيجيات الوطنية لحفظ الطبيعة، وقد صاغ
معظمها منظمات دولية متخصصة مثل برنامج الأمم المتحدة للبيئة والاتحاد العالمي
لحفظ البيئة والصندوق العالمي للطبيعة،
(3) خطط العمل البيئية الوطنية وقام بالترويج لها
ووضع برامجها البنك الدولي، مع الاعتماد على منظمات أو مؤسسات محلية للتنفيذ،
(4) الخطط
الخضراء، وهي تهتم بالبيئة وقليل من الدول صاغت خططها في هذا المجال،
(5) الخطط
الوطنية لإدارة البيئة ، واخيرا
(6) ما دعا إليه جدول أعمال القرن 21 من ضرورة وضع
استراتيجيات وطنية للتنمية المستدامة .
أما في ما
يتعلق بالاستراتيجيات القطاعية فمنها ما تناول قطاعات معينة مثل الزراعة والسياحة
والحراج، كما حدث في أماكن كثيرة في أسيا. ومنها ما تم وضعه بتمويل من منظمة
الأغذية والزراعة الدولية، كما هو الحال بخطط العمل الوطنية الخاصة بالغابات
الاستوائية، أو الخطط الوطنية لمكافحة التصحر أو الخطط الوطنية التي وضعت استجابة
لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ أو اتفاقية التنوع البيولوجي.
لقد اتسمت
الإستراتيجيات الأولية باهتمامها بالبيئة من منطلق أن التحسين في الوضع البيئي هو
هدف بحد ذاته (اعتبارات رفاهية، بيئة خضراء). وعلى الرغم من أهمية ذلك، إلا أن ما
دعى إليه جدول أعمال القرن 21 هو أعمق من ذلك، حيث أن الاهتمام بالبيئة هو ليس من
باب الرفاهية المعيشية للفرد أو المجتمع، ولكنه ضرورة للمحافظة على استمرارية هذه
الرفاهية. وهذا يتطلب وضع خطط واستراتيجيات تنموية قطرية تأخذ بعين الاعتبار
الأبعاد البيئية والاجتماعية، بجانب بعدها الاقتصادي والتنموي. وهذا ما تنطوي عليه
التنمية المستدامة.
ومن المفيد
التطرق لما تحتاجه عملية صياغة استراتيجية وطنية للتنمية المستدامة من شروط:
(أ) تقديم دعم
سياسي رفيع المستوى يرتكز على فهم واضح لما تنطوي عليه العملية ولما يتوقع لها من نتائج،
(ب) إيجاد جهاز إداري
يجمع بين المركزية والتنسيق مع الإدارات الأخرى، ومنح الجهات المسئولة عن صياغة
الاستراتيجيات التنموية المستدامة والمتمثلة في هذا الجهاز الإداري درجة من النفوذ
في عملية اتخاذ القرار،
(ت) الاستقرار السياسي بمعنى المنهجية
طويلة الآجل،
(ث) وجود
نظام سياسي يشجع المشاركة والفكر النقدي وحرية التعبير.
ونحن هنا في
فلسطين وعلى أبواب تأسيس الدولة ، لدينا فرصة قد لا تتوفر لأي من المجتمعات الأخرى
ألا وهي البدء وعلى أسس تضع في اعتبارها دمج استراتيجيات التنمية المستدامة كجزء أساسي
في التخطيط الإنمائي. وهنا يجدر التنبيه لبعض النقاط والتي هي من الأساسيات في
الخطط الإنمائية المستدامة:
(1) التخطيط الاقتصادي
المتكامل،
(2) دمج البيئة في التحليل
الاقتصادي،
(3) تحليل الكلفة والفائدة
للموارد،
(4) استخدام تقييم الآثار
البيئية في صناعات البنية التحتية والبناء،
(5) إدارة الأراضي بما في ذلك التخطيط الحضري
والهياكل التنظيمية والتجمعات البشرية، مع
مراعاة الظروف الصحية والبيئية لتأمين مواقع سكنية ملائمة للعيش،
(6) توفير بيئة نظيفة صحيا بما
في ذلك خدمات المياه والصرف الصحي وإعادة التدوير للنفايات،
(7) تحسين شبكات الطرق المحلية والربط بين
التجمعات السكنية وتحسين شبكات النقل العام للتخفيف من تلوث الهواء،
(8) المحافظة على الموارد والحد
من استغلالها بما يتعدى قدرتها على التجديد،
(9) اعتماد أساليب زراعية تراعي
الظروف المحلية وقدرتها،
(10) فتح المجال لأوسع مشاركة
ممكنة في اتخاذ القرار وزيادة الشفافية والمراقبة، بما في ذلك
(11) فتح المجال للمنظمات الأهلية
في صياغة مثل هذه الاستراتيجيات.
أبعاد التنمية المستدامة
والملاحظ من خلال التعريفات السابقة أن التنمية المستدامة تتضمن أبعادا
متعددة تتداخل فيما بينها من شأن التركيز على معالجتها إحراز تقدم ملموس في تحقيق
التنمية المستهدفة، ويمكن الإشارة هنا إلى أربعة أبعاد حاسمة ومتفاعلة هي كل من
الأبعاد الاقتصادية والبشرية والبيئية والتكنولوجية:
الأبعاد الاقتصادية
1 – حصة الاستهلاك الفردي من الموارد الطبيعية
فبالنسبة للأبعاد الإقتصادية للتنمية المستدامة نلاحظ أن سكان البلدان
الصناعية يستغلون قياسا على مستوى نصيب الفرد من الموارد الطبيعية في
العالم، أضعاف ما يستخدمه سكان البلدان النامية. ومن ذلك مثلا أن استهلاك
الطاقة الناجمة عن النفط والغاز والفحم هو في الولايات المتحدة أعلى منه في الهند
ب 33 مرة، وهو في بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ال "OCDE" أعلى بعشر مرات في المتوسط منه في البلدان النامية مجتمعة.
2 – إيقاف تبديد الموارد الطبيعية
فالتنمية المستدامة بالنسبة للبلدان الغنية تتلخص في إجراء تخفيضات
متواصلة من مستويات الاستهلاك المبددة للطاقة والموارد الطبيعية وذلك عبر تحسين
مستوى الكفاءة وإحداث تغيير جذري في أسلوب الحياة. ولا بد في هذه العملية من
التأكد من عدم تصدير الضغوط البيئية إلى البلدان النامية. وتعني التنمية المستدامة
أيضا تغيير أنماط الاستهلاك التي تهدد التنوع البيولوجي في البلدان الأخرى دون
ضرورة، كاستهلاك الدول المتقدمة للمنتجات الحيوانية المهددة بالانقراض.
3 – مسؤولية البلدان المتقدمة عن التلوث وعن معالجته
وتقع على البلدان الصناعية مسؤولية خاصة في قيادة التنمية المستدامة، لأن
استهلاكها المتراكم في الماضي من الموارد الطبيعية مثل المحروقات – وبالتالي
إسهامها في مشكلات التلوث العالمي- كان كبيرا بدرجة غير متناسبة. يضاف إلى هذا أن
البلدان الغنية لديها الموارد المالية والتقنية والبشرية الكفيلة بأن تضطلع
بالصدارة في استخدام تكنولوجيات أنظف وتستخدم الموارد بكثافة أقل، وفي القيام
بتحويل اقتصادياتها نحو حماية النظم الطبيعية والعمل معها، وفي تهيئة أسباب ترمي
إلى تحقيق نوع من المساواة والاشتراكية للوصول إلى الفرص الاقتصادية والخدمات
الاجتماعية داخل مجتمعاتها. والصدارة تعني أيضا توفير الموارد التقنية والمالية
لتعزيز للتنمية المستدامة في البلدان الأخرى – باعتبار أن ذلك استثمار في مستقبل
الكرة الأرضية.
4– التنمية المستدامة لدى البلدان الفقيرة
وتعني التنمية المستدامة في البلدان الفقيرة تكريس الموارد الطبيعية لأغراض
التحسين المستمر في مستويات المعيشة. ويعتبر التحسين السريع، كقضية أخلاقية، أمر
حاسم بالنسبة لأكثر من 20 في المائة من سكان العالم المعدمين في الوقت الحالي.
ويحقق التخفيف من عبء الفقر المطلق نتائج عملية هامة بالنسبة للتنمية المستدامة،
لأن هناك روابط وثيقة بين الفقر وتدهور البيئة والنمو السريع للسكان والتخلف
الناجم عن التاريخ الاستعماري والتبعية المطلقة للقوى الرأسمالية. أما الذين لا
تلبى لهم احتياجاتهم الأساسية، والذين ربما كان بقائهم على قيد الحياة أمرا مشكوكا
فيه، فيصعب أن نتصور بأنهم سيهتمون بمستقبل كرتنا الأرضية، وليس هناك ما يدعوهم
إلى تقدير مدى صلاحية تصرفاتهم للاستدامة، كما أنهم يجنحون إلى الاستزادة من
الأطفال في محاولة لزيادة القوة العاملة للأسرة ولتوفير الأمن لشيخوختهم.
5 – الحد من التفاوت في المداخيل
فالتنمية المستدامة تعني إذن الحد من التفاوت المتنامي في الدخل وفي فرص
الحصول على الرعاية الصحية في البلدان الصناعية مثل الولايات المتحدة وإتاحة
حيازات الأراضي الواسعة وغير المنتجة للفقراء الذين لا يملكون أرضا في مناطق مثل
أمريكا الجنوبية أو للمهندسين الزراعيين العاطلين كما هو الشأن بالنسبة لبلادنا؛
وكذا تقديم القروض إلى القطاعات الاقتصادية غير الرسمية وإكسابها الشرعية؛ وتحسين
فرص التعليم والرعاية الصحية بالنسبة للمرأة في كل مكان. وتجب الإشارة إلى أن
سياسة تحسين فرص الحصول على الأراضي والتعليم وغير ذلك من الخدمات الاجتماعية لعبت
دورا حاسما في تحفيز التنمية السريعة والنمو في اقتصاديات النمور الآسيوية مثل
ماليزيا وكوريا الجنوبية وتايوان.
الأبعاد
البشرية
1 – تثبيت النمو الديموغرافي
وتعني التنمية المستدامة فيما بالأبعاد البشرية العمل على تحقيق تقدم كبير
في سبيل تثبيت نمو السكان، وهو أمر بدأ يكتسي أهمية بالغة، ليس لأن النمو المستمر
للسكان لفترة طويلة وبمعدلات شبيهة بالمعدلات الحالية أصبح أمرا مستحيلا استحالة
واضحة فقط، بل كذلك لأن النمو السريع يحدث ضغوطا حادة على الموارد الطبيعية وعلى
قدرة الحكومات على توفير الخدمات. كما أن النمو السريع للسكان في بلد أو منطقة ما
يحد من التنمية، ويقلص من قاعدة الموارد الطبيعية المتاحة لإعالة كل ساكن .
2 – مكانة الحجم النهائي للسكان
وللحجم النهائي الذي يصل إليه السكان في الكرة الأرضية أهميته أيضا، لأن
حدود قدرة الأرض على إعالة الحياة البشرية غير معروفة بدقة. وتوحي الإسقاطات
الحالية، في ضوء الاتجاهات الحاضرة للخصوبة، بأن عدد سكان العالم سيستقر عند حوالي
11,6 مليار نسمة، وهو أكثر من ضعف عدد السكان الحاليين. وضغط السكان، حتى
بالمستويات الحالية، هو عامل متنام من عوامل تدمير المساحات الخضراء وتدهور التربة
والإفراط في استغلال الحياة البرية والموارد الطبيعية الأخرى؛ لأن نمو السكان يؤدي
بهم إلى الأراضي الحدية، أو يتعين عليهم الإفراط في استخدام الموارد الطبيعية.
3 – أهمية توزيع السكان
كما أن لتوزيع السكان أهميته: فالاتجاهات الحالية نحو توسيع المناطق
الحضرية، ولاسيما تطور المدن الكبيرة لها عواقب بيئية ضخمة. فالمدن تقوم بتركيز
النفايات والمواد الملوثة فتتسبب في كثير من الأحيان في أوضاع لها خطورتها على
الناس وتدمر النظم الطبيعية المحيطة بها. ومن هنا، فإن التنمية المستدامة تعني
النهوض بالتنمية القروية النشيطة للمساعدة على إبطاء حركة الهجرة إلى المدن، وتعني
اتخاذ تدابير سياسية خاصة من قبيل اعتماد الإصلاح الزراعي واعتماد تكنولوجيات تؤدي
إلى التقليص إلى الحد الأدنى من الآثار البيئية للتحضر.
4 – الصحة والتعليم
ثم إن التنمية البشرية تتفاعل تفاعلا قويا مع الأبعاد الأخرى للتنمية
المستدامة. من ذلك مثلا أن السكان الأصحاء الذين نالوا من التغذية الجيدة ما
يكفيهم للعمل، ووجود قوة العمل الحسنة التعليم، أمر يساعد على التنمية الاقتصادية.
ومن شأن التعليم أن يساعد المزارعين وغيرهم من سكان البادية على حماية الغابات
وموارد التربة والتنوع البيولوجي حماية أفضل.
5 – الأسلوب الديموقراطي الاشتراكي في الحكم
ثم إن التنمية المستدامة على المستوى السياسي تحتاج إلى مشاركة من تمسهم
القرارات، في التخطيط لهذه القرارات وتنفيذها، وذلك لسبب عملي هو أن جهود التنمية
التي لا تشرك الجماعات المحلية كثيرا ما يصيبها الإخفاق. لذلك فإن اعتماد النمط
الديموقراطي الاشتراكي في الحكم يشكل القاعدة الأساسية للتنمية البشرية المستدامة
في المستقبل.
الأبعاد البيئية
1 – إتلاف التربة، استعمال المبيدات، تدمير الغطاء النباتي والمصايد
بالنسبة للأبعاد البيئية نلاحظ أن تعرية التربة وفقدان إنتاجيتها يؤديان
إلى التقليص من غلتها، ويخرجان سنويا من دائرة الإنتاج مساحات كبيرة من الأراضي
الزراعية. كما أن الإفراط في استخدام الأسمدة ومبيدات الحشرات يؤدي إلى تلويث
المياه السطحية والمياه الجوفية. أما الضغوط البشرية والحيوانية، فإنها تضر
بالغطاء النباتي والغابات أو تدمرهما. وهناك مصايد كثيرة للأسماك في المياه العذبة
أو المياه البحرية يجري استغلالها فعلا بمستويات غير مستدامة، أو أنها توشك أن
تصبح كذلك.
2 – حماية الموارد الطبيعية
والتنمية المستدامة تحتاج إلى حماية الموارد الطبيعية اللازمة لإنتاج
المواد الغذائية والوقود –ابتداء من حماية التربة إلى حماية الأراضي المخصصة
للأشجار وإلى حماية مصايد الأسماك- مع التوسع في الإنتاج لتلبية احتياجات السكان
الآخذين في التزايد، وهذه الأهداف يحتمل تضاربها، ومع ذلك فإن الفشل في صيانة
الموارد الطبيعية التي تعتمد عليها الزراعة كفيل بحدوث نقص في الأغذية في
المستقبل. وتعني التنمية المستدامة هنا استخدام الأراضي القابلة للزراعة
وإمدادات المياه استخداما أكثر كفاءة، وكذلك استحداث وتبني ممارسات وتكنولوجيات
زراعية محسنة تزيد الغلة. وهذا يحتاج إلى اجتناب الإسراف في استخدام الأسمدة
الكيميائية والمبيدات حتى لا تؤدي إلى تدهور الأنهر والبحيرات، وتهدد الحياة
البرية، وتلوث الأغذية البشرية والإمدادات المائية. وهذا يعني استخدام الري
استخداما حذرا، واجتناب تمليح أراضي المحاصيل وتشبعها بالماء.
3 - صيانة المياه
وفي بعض المناطق تقل إمدادات المياه، ويهدد السحب من الأنهار باستنفاد
الإمدادات المتاحة، كما أن المياه الجوفية يتم ضخها بمعدلات غير مستدامة. كما أن
النفايات الصناعية والزراعية والبشرية تلوث المياه السطحية والمياه الجوفية، وتهدد
البحيرات والمصبات في كل بلد تقريبا. والتنمية المستدامة تعني صيانة المياه بوضع
حد للاستخدامات المبددة وتحسين كفاءة شبكات المياه. وهي تعني أيضا تحسين نوعية
المياه وقصر المسحوبات من المياه السطحية على معدل لا يحدث اضطرابا في النظم
الإيكولوجية التي تعتمد على هذه المياه، وقصر المسحوبات من المياه الجوفية على
معدل تجددها.
4 – حماية المناخ من الاحتباس الحراري
والتنمية المستدامة تعني كذلك عدم المخاطرة بإجراء تغييرات كبيرة في البيئة
العالمية – بزيادة مستوى سطح البحر، أو تغيير أنماط سقوط الأمطار والغطاء النباتي،
أو زيادة الأشعة فوق البنفسجية – يكون من شأنها إحداث تغيير في الفرص المتاحة
للأجيال المقبلة. ويعني ذلك الحيلولة دون زعزعة استقرار المناخ، أو النظم
الجغرافية الفيزيائية والبيولوجية أو تدمير طبقة الأزون الحامية للأرض من جراء
أفعال الإنسان.
الأبعاد التكنولوجية
1 – استعمال تكنولوجيات أنظف في المرافق الصناعية
كثيرا ما تؤدي المرافق الصناعية إلى تلويث ما يحيط بها من هواء ومياه وأرض.
وفي البلدان المتقدمة النمو، يتم الحد من تدفق النفايات وتنظيف التلوث بنفقات
كبيرة؛ أما في البلدان النامية، فإن النفايات المتدفقة في كثير منها لا يخضع
للرقابة إلى حد كبير. ومع هذا فليس التلوث نتيجة لا مفر منها من نتائج النشاط
الصناعي. وأمثال هذه النفايات المتدفقة تكون نتيجة لتكنولوجيات تفتقر إلى الكفاءة
أو لعمليات التبديد، وتكون نتيجة أيضا للإهمال والافتقار إلى فرض العقوبات
الاقتصادية. وتعني التنمية المستدامة هنا التحول إلى تكنولوجيات أنظف وأكفأ
وتقلص من استهلاك الطاقة وغيرها من الموارد الطبيعية إلى أدنى حد. وينبغي أن يتمثل
الهدف في عمليات أو نظم تكنولوجية تتسبب في نفايات أو ملوثات أقل في المقام الأول،
وتعيد تدوير النفايات داخليا، وتعمل مع النظم الطبيعية أو تساندها. وفي بعض
الحالات التي تفي التكنولوجيات التقليدية بهذه المعايير فينبغي المحافظة عليها.
2 – الأخذ بالتكنولوجيات المحسنة وبالنصوص القانونية الزاجرة
والتكنولوجيات المستخدمة الآن في البلدان النامية كثيرا ما تكون أقل كفاءة
وأكثر تسببا في التلوث من التكنولوجيات المتاحة في البلدان الصناعية. والتنمية
المستدامة تعني الإسراع بالأخذ بالتكنولوجيات المحسنة، وكذلك بالنصوص القانونية
الخاصة بفرض العقوبات في هذا المجال وتطبيقها. ومن شأن التعاون التكنولوجي – سواء
بالاستحداث أو التطويع لتكنولوجيات أنظف وأكفأ تناسب الاحتياجات المحلية –الذي
يهدف إلى سد الفجوة بين البلدان الصناعية والنامية أن يزيد من الإنتاجية الاقتصادية،
وأن يحول أيضا دون مزيد من التدهور في نوعية البيئة. وحتى تنجح هذه الجهود،
فهي تحتاج أيضا إلى استثمارات كبيرة في التعليم والتنمية البشرية، ولاسيما في
البلدان الأشد فقرا. والتعاون التكنولوجي يوضح التفاعل بين الأبعاد الاقتصادية
والبشرية والبيئية والتكنولوجية في سبيل تحقيق التنمية المستدامة.
3 – الحد من انبعاث الغازات
وترمي التنمية المستدامة في هذا المجال إلى الحد من المعدل العالمي لزيادة
انبعاث الغازات الحرارية. وذلك عبر الحد بصورة كبيرة من استخدام المحروقات،
وإيجاد مصادر أخرى للطاقة لإمداد المجتمعات الصناعية. وسيكون من المتعين على
البلدان الصناعية أن تتخذ الخطوات الأولى للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون
واستحداث تكنولوجيات جديدة لاستخدام الطاقة الحرارية بكفاءة أكبر، وتوفير إمدادات
من الطاقة غير الحرارية تكون مأمونة وتكون نفقتها محتملة. على أنه حتى تتوافر
أمثال هذه التكنولوجيات، فالتنمية المستدامة تعني استخدام المحروقات بأكفأ ما
يستطاع في جميع البلدان.
4 – الحيلولة دون تدهور طبقة الأزون
والتنمية المستدامة تعني أيضا الحيلولة دون تدهور طبقة الأوزون الحامية
للأرض. وتمثل الإجراءات التي اتخذت لمعالجة هذه المشكلة سابقة مشجعة: فاتفاقية
كيوتو جاءت للمطالبة بالتخلص تدريجيا من المواد الكيميائية المهددة للأزون، وتوضح
بأن التعاون الدولي لمعالجة مخاطر البيئة العالمية هو أمر مستطاع. لكن تعنت
الولايات المتحدة الأمريكية واعتدادها بأن قوتها أصبحت فوق إرادة المجتمع الدولي
جعلها ترفض التوقيع على هذه الاتفاقية ما دام أن لا أحدا يستطيع إجبارها على ذلك.
خاتمة
يحتاج تحقيق هدف التنمية المستدامة إلى إحراز تقدم متزامن في أربعة أبعاد
على الأقل، هي الأبعاد الاقتصادية، والبشرية والبيئية والتكنولوجية. وهناك ارتباط
وثيق فيما بين هذه الأبعاد المختلفة، والإجراءات التي تتخذ في إحداها من شأنها
تعزيز الأهداف في بعضها الآخر. ومن ذلك مثلا أن الاستثمار الضخم في رأس المال
البشري، ولاسيما فيما بين الفقراء، يدعم الجهود الرامية إلى الإقلال من الفقر،
وإلى الإسراع في تثبيت عدد السكان، وإلى تضييق الفوارق الاقتصادية وإلى الحيلولة
دون مزيد من التدهور للأراضي والموارد، وإلى السماح بالتنمية العاجلة واستخدام
مزيد من التكنولوجيات الناجعة في جميع البلدان.
والابتكار التكنولوجي هو في حد ذاته موضوع محوري متباين الجوانب.
فالاستدامة تتطلب تغييرا تكنولوجيا مستمرا في البلدان الصناعية للحد من انبعاث
الغازات ومن استخدام الموارد من حيث الوحدة الواحدة من الناتج. كما يتطلب تغيرا
تكنولوجيا سريعا في البلدان النامية، ولاسيما البلدان الآخذة بالتصنيع، لتفادي
تكرار أخطاء التنمية، وتفادي مضاعفة الضرر البيئي الذي أحدثته البلدان الصناعية.
والتحسين التكنولوجي هو بدوره أمر هام في التوفيق بين أهداف التنمية وقيود البيئة.
وتتطلب التنمية المستدامة تغييرا جوهريا في السياسات والممارسات الحالية،
لكن هذا التغيير لن يتأتى بسهولة، ولن يتأتى أبدا بدون قيادة قوية وجهود متصلة
ونضالات مستمرة من طرف القوى العاملة والشعوب المقهورة في بلدان
كثيرة.
الجدول رقم (
1 ) المعالم الأساسية لسكان العالم
السكان
|
السنة
|
|
|
بلغ عدد سكان العالم
|
|
بليون نسمة واحد
|
في 1804
|
بليونا نسمة
|
في 1927 (بعد 123 سنة)
|
3 بلايين نسمة
|
في 1960 (بعد 33 سنة)
|
4 بلايين نسمة
|
في 1974 (بعد 14 سنة)
|
5 بلايين نسمة
|
في 1987 ( بعد 13 سنة)
|
6 بلايين نسمة
|
في 1999 (بعد 12 سنة)
|
ويمكن أن يصل عدد سكان العالم إلى
|
|
7 بلايين نسمة
|
في 2012 (بعد 13 سنة)
|
8 بلايين نسمة
|
في 2026 (بعد 14 سنة)
|
9 بلايين نسمة
|
في 2043 (بعد 17 سنة)
|
المصدر:
الأمم المتحدة (2001 أ)
جدول
رقم ( 2 ) يوضح معدل النمو الاقتصادي في 11 دولة عربية
الناتج المحلي الإجمالي الإسمي (مقدر بمليارات
الدولارات) ونسب النمو السنوي
في 11 اقتصاداً في الشرق الأوسط
|
|||||||||
السنة
|
1997
|
1998
|
1999
|
2000
|
2001
|
2002
|
2003
|
2004
|
2005
|
الناتج الإجمالي الاسمي
|
432.5
|
415.1
|
451.4
|
518.5
|
507.5
|
513.5
|
569.6
|
634.6
|
669.2
|
نسبة النمو %
|
-
|
-
4
|
8.7
|
14.9
|
-
2.1
|
1.2
|
10.9
|
11.4
|
5.5
|
المصدر: تقرير وكالة موديز الخاص بإحصاء ائتمانات الدول
|
الجدول
رقم (
3 ) يوضح مقارنة بين الدول المتقدمة والدول النامية
في بعض الجوانب البيئية
المقياس / المنطقة
|
الولايات المتحدة الامريكية
|
الهند
|
دول منظمة التعاون والتنمية
الاقتصادية
|
النسبة
من سكان العالم
|
5 %
|
16 %
|
20 %
|
النصيب
من الدخل العالمي
|
25 %
|
1 %
|
|
النصيب
من استهلاك الطاقة العالمي
|
25 %
|
2 %
|
43 %
|
نسبة
انبعاث ثاني اكسيد الكربون
|
22 %
|
3 %
|
38 %
|
المصدر:
تقارير الأمم المتحدة (2001 أ, 2002)
أولا : المصادر العربية
إبراهيم نحال ، التصحر في الوطن العربي ، معهد الإنماء العربي ، بيروت ، 1987-المجموعة الإحصائية لمنطقة اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا ، الأمم المتحدة ، نيويورك ، 2003 -برنامج الأمم المتحدة للبيئة ،
إبراهيم نحال ، التصحر في الوطن العربي ، معهد الإنماء العربي ، بيروت ، 1987-المجموعة الإحصائية لمنطقة اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا ، الأمم المتحدة ، نيويورك ، 2003 -برنامج الأمم المتحدة للبيئة ،
السكان والبيئة والتنمية التقرير الموجز – الامم المتحدة نيويورك 2001
المعهد العالمي
للموارد، برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومجلس الأعمال العالمي بشأن التنمية
المستدامة، أسواق الغد: الاتجاهات العالمية وانعكاساتها على الأعمال التجارية
2002.
اندي رويل " الكارثة البيئية"
برنامج الأمم المتحدة للبيئة حالة البيئة في العالم
، نيروبي ، 1991
برنامج الأمم المتحدة
الإنمائي، تقرير التنمية البشرية، 1998.
برنامج الأمم المتحدة
للبيئة، "نهج قائم على الوظائف إزاء الاستهلاك والانتاج المستدامين"،
ورقة مناقشات، كانون الأول/ديسمبر 2002.
برنامج الأمم المتحدة
للبيئة، الصناعة باعتبارها شريكا في التنمية المستدامة – 10 سنوات بعد ريو: تقييم
مقدم من برنامج الأمم المتحدة للبيئة 2002.
برنامج الأمم المتحدة
للبيئة، الحالة في العالم في 2002: الاستهلاك المستدام والإنتاج الأكثر نظافة.
حركة المستهلكين
الدولية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، تتبع التقدم: تنفيذ سياسات الاستهلاك
المستدام – استعراض عالمي لتنفيذ مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن حماية
المستهلك، أيار/مايو 2002.
زين الدين عبد المقصود ،
البيئة والإنسان ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، ( بدون تاريخ )
ساندرا بوستيل ، مياه الزراعة التصدي للقيود ، القاهرة ، 1992
ساندرا بوستيل ، مياه الزراعة التصدي للقيود ، القاهرة ، 1992
صندوق الطبيعة في
العالم بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومركز رصد الصيانة في العالم
وإعادة تعريف التقدم، تقرير الكوكب الحي 2000-2002.
عهد المراقبة
العالمية، دلائل حيوية 2002، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة والحالة في
العالم في 2002.
محمد غانم, (2001)
" دمج البعد البيئي في التخطيط الانمائي
محسن عبد الحميد توفيق ، الإدارة البيئية في الوطن العربي
، تونس ، 1993
محمد الخشن ( التصحر وتأثيره على الأمن الغذائي ) عالم الفكر ، نقلا عن عبد الله إبراهيم : المسألة السكانية وبنية المجال العربي ، 1991
محمد الخشن ( التصحر وتأثيره على الأمن الغذائي ) عالم الفكر ، نقلا عن عبد الله إبراهيم : المسألة السكانية وبنية المجال العربي ، 1991
هاشم
نعمة ، أفريقيا : دراسة في حركات الهجرة السكانية ، مركز البحوث والدراسات الأفريقية
، سبها ، ليبيا ، 1992
10-هاشم نعمة ، الملامح المميزة لمشاكل البيئة في المرحلة الحالية ، جريدة الشرق الأوسط اللندنية ،6-12-2000
هاشم نعمة ، مشكلة التصحر في الوطن العربي ، أسبابها ، أبعادها ووسائل مكافحتها ، الملتقى الجغرافي الثاني ، جامعة قار يونس ، بنغازي ، ليبيا ، 1994
10-هاشم نعمة ، الملامح المميزة لمشاكل البيئة في المرحلة الحالية ، جريدة الشرق الأوسط اللندنية ،6-12-2000
هاشم نعمة ، مشكلة التصحر في الوطن العربي ، أسبابها ، أبعادها ووسائل مكافحتها ، الملتقى الجغرافي الثاني ، جامعة قار يونس ، بنغازي ، ليبيا ، 1994
ثانيا :المصادر الاجنبية
________ (1976). Environment, population and technology in
primitive societies. Population and Development Review (New York ), vol. 2, No. 1, pp. 21-36.
________ (1981). Population and Technological Change. Chicago , Illinois :
University of Chicago Press.
Charnley,
Susan (1997). Environmentally-displaced peoples and the cascade effect: lessons
from Tanzania .
Human Ecology, vol. 25, No. 4, pp. 593-618.
Cleaver, K.
M., and G. Schreiber (1994). Reversing the Spiral: The Population, Agriculture,
and Environment Nexus in Sub-Saharan Africa . Washington , D.C. :
World Bank.
Cohen, J.
(1995). How Many People Can the Earth Support? New York : W. W. Norton.
Commoner,
B. (1991). Rapid population growth and environmental stress. In Consequence of
Rapid Population Growth in Developing Countries. Proceedings of the United
Nations/Institut national d’études démographiques Expert Group Meeting, 23-26
August 1988, New York .
New York :
Taylor and Francis, pp. 161-190.
Cruz, Maria
Concepción (1997). Effects of population pressure and poverty on biodiversity
conservation in the Philippines .
In Population, Environment and Development, R. K. Pachauri and Lubina Qureshy,
eds. New Delhi , India : Tata Energy Institute, pp.
69-94.
(1974) Human population
and the global environment. American Scientist (Triangle Park , North Carolina ),
vol. 62, pp. 282-292.
Environics
International (1999). The Environmental Monitor. 1999 International Report. Toronto .
European
Commission (1999). What do Europeans think about the environment?
Food and Agriculture Organization of the
United Nations (1994). Potential population-supporting capacity of lands:
environmental aspects. In Population, Environment and Development. Sales No.
E.94.XIII.7, chap. XXVI. New York :
United Nations
__________ (2000c). Population and the environment: a review of
issues and concepts for population programmes. Part III. Population and deforestation.
Rome : FAO.
Foronda,
Maria Elena (1998). Chimbote ’s
Local Agenda 21: initiatives to support its development and implementation.
Environment and Urbanization, vol. 10, No. 1 (October).
تعليقات